باشر حسن فنزيانو تسيير الإدارة بما عهد منه من نشاط وحزم فإنه لم يترك قيادة الأسطول العثماني بالجزائر لغيره، وكثرت في أيامه المغانم بما كانت تجلبه السفن من السواحل الاسبانية والجزر الشرقية من نفائس، وبما كان يستولي عليه من الأسرى والمغانم في غزواته.
وفي 992هـ/1584م أبحر حسن فنزيانو بأسطوله على ثغر بلنسية وحمل أعداداً كبيرة من مسلمي الأندلس، إذ أنقذهم من اضطهاد الاسبان، كما استطاع في السنة التالية انقاذ جميع سكان كالوسا، إذ حملهم إلى الجزائر وفي السنة بعدها توغل مراد رايس في المحيط الأطلس فأغار على جزر الكناري وغنم منها غنائم كثيرة بما فيهم زوجة حاكم تلك الجزر، وبقي حسن فنزيانو على رأس الحكومة العثمانية بالجزائر إلى أن استدعاه السلطان في اسطنبول ليتولى منصب إمارة البحر " قبودان دوريا " وذلك بعد وفاة قلج علي سنة 995هـ/1587م.
انتهاء نظام البيلربك في الجزائر:
بوفاة قلج علي انتهى في الجزائر نظم البيلربك الذي جعل من حكام الجزائر ملوكاً واسعي السلطة والنفوذ واستعيض عنه بنظام الباشوية مثلها في ذلك تونس وطرابلس، ويفسر هذا التغيير في شكل الحكم العثماني بخوف السلطان العثماني في أن يتجه البيلربك بسبب قوتهم وضعف البحرية العثمانية نحو الاستقلال.
وكان الباشا موظف ترسله الاستانة لمدة ثلاث سنوات يتولى خلالها حكم البلاد دون أن يكون له سند أساسي أو سند محلي بين القوى التي تسيطر على البلاد، ويكون الباشا في كل من طرابلس وتونس والجزائر وكيلاً للسلطان ويكون مطلق التصرف لبعد الولاية عن العاصمة اسطنبول.
كانت أحداث مابعد 997هـ/1588م في نيابات العثمانية الثلاث طرابلس وتونس والجزائر تفيد بسطوة الجنود ورجال البحرية على السلطنة فيها على حساب سلطة الباشا إلا أن طبيعة علاقات السلطة في داخل الولاية مع امساك السلطنة العثمانية بسلطة إصدار الغرامات، قد ضمنا تحقيق الأهداف العثمانية في الحكم من حيث الخطبة باسم السلطان وتحصيل الأموال سنوياً والمساهمة في حروب الدولة والقبول بالباشا القادم من الاستانة ممثلاً أعلى للسلطان في حكم النيابة وهي جميعها من رموز السيادة العثمانية الرسمية.
كان ذلك هو التحول الذي جرى في الدولة نحو الشمال الافريقي، إثر معركة ليبانتوسنه 978هـ/1571م، فبعد أن كان الشمال الأفريقي تحت مسؤولية البيلربك الموجود في الجزائر، انقسمت المنطقة إلى ثلاث ولايات هي طرابلس وتونس والجزائر وصارت ولايات عادية مثلها مثل سائر الولايات العثمانية الأخرى، لقد كان موقف الدولة السعدية من جهة، وتصرف بعض الانكشاريين من جهة وجبهات المشرق من جهة وغير ذلك من الأسباب أضعف همة الدولة في إرجاع الأندلس.
لقد حالت عدة أسباب دون ضم المغرب الأقصى للدولة العثمانية منها:
1 - ظهور شخصية قوية حاكمة في المغرب ونعني به المنصور السعدي.
2 - وفاة قلج علي في 1587م ومن بعده أدخل الشمال الأفريقي في نظام الولايات.
3 - كان النصر الذي أحرزه المغاربة على البرتغاليين في معركة وادي المخازن سبباً في تقدير السلطات العثمانية للسعديين واحترامهم.
لقد كانت الدولة العثمانية في جهودها البحرية في البحر المتوسط أكثر توفيقاً من البحر الأحمر والمحيطات لعدة أسباب منها:
1 - قرب الشمال الأفريقي من كل من اسطنبول ومصر يجعل الامدادات متلاحقة ويجعل صورة الأحداث واضحة، والتطورات العسكرية مفهومة، بعكس الحال في المحيطات حيث كانت تطورات الأمور لاتصل إلا بعد وقت طويل وبشكل غير واضح.
2 - كانت للعثمانيين قواعد قوية في شمال افريقية تستند إلى خلفية إسلامية واسعة وخبرة عملية في محاربة النصارى وكانوا على استعداد للتعاون مع العثمانيين والدخول تحت نفوذهم.
3 - لم تكن هناك مقاومة مذهبية عنيفة في شمال افريقية بل كانت الهيمنة للمذهب السني الذي استطاع أن يقف أمام المذاهب المنحرفة ويجتثها من جذورها.
ـ[أبو سعد]ــــــــ[02 - 03 - 08, 08:22 م]ـ
نقل جميل جزاك الله خير،،
و جميع كتب الدكتور الصلابي جيدة و مفيدة ...
بوركت،،،