هو الحسن بن إبراهيم بن الحاج حسين الملقب ب: " بريهمات " لاشتهاره ببذل الدنانير و الدريهمات في سبيل الله، و قد تريد العرب بالتصغير التعظيم لكناية خفية، ولد بالعاصمة في تاريخ مجهول، غير أن أبو القاسم سعد الله يذكر انه ولد في حوالي 1821 م، و قد شهد الحسن بن بريهمات في صباه الحملة الفرنسية على الجزائر و استبدال الإدارة التركية بالإدارة الفرنسية عن طريق العنف و التقتيل، فنشأ داخله إحساس بالكراهية اتجاه الفرنسيين فرأى ضرورة مجاملتهم و تحاشي ظلمهم.
أصل أسرته:
يرجع أصل أسرته إلى الأندلس فبعد سقوط الأندلس لجأت أسرته إلى المغرب الأقصى حيث حظيت من ملوك المغرب بما تستحقه من حفاوة و تكريم و تقلدت مناصب عليا إلى أن تغيرت الظروف السياسية فانتقلت الى تونس فكان لها من الإقبال بها مثل ما كان بالمغرب لغاية سنة 1740 حيث استدعيت من طرف دايات الجزائر فانتقلت إلى العاصمة و أقامت بها.
أقام والده إبراهيم بمدينة طولقة المجاورة لبسكرة، أين كان يعمل كرئيس على العمال البسكريين الذين كان يستخدمهم وكيل الخرج الترك، و كان يزور الجزائر العاصمة في كل شهر رمضان، و كان يتصل بالطبقة المثقفة و العلماء إلى نهاية الشهر، و نظرا لحفظه القران الكريم مع حسن التجويد و ترتيله كانت تقدمه ما يمكن تسميته بالنخبة العلمية ليصلي بها التراويح، و بعد نهاية شهر رمضان يعود الى طولقة، و نظرا لهذه العلاقات عاد الى العاصمة حيث أقام بها و تزوج و أنجب ولدا سماه الحسن.
صفاته:
يصفه الشيخ الحفناوي في كتابه تعريف الخلف برجال السلف: " بأنه كان لطيف الطبع سليم الذوق جميل الصورة فاخر الهيئة عذب المنطق متواضعا للمتصاغرين متطاولا على المتكبرين، محسنا للفقراء محبا للعلماء، مذلا لأهل الرياء، له خيرة بمجريات الأحوال و علم عجيب بالتاريخ و طبقات الأدباء، كان محبا للنزيل و الزائر و هو الرجل الوحيد الذي يمثل لك في الجزائر أديبها، المترف، و عالمها الحكيم، و موظفها الصالح، و كريمها البشوش" يقول عنه أبو حامد المشرفي أنه كان فهرست المنطوق و المفهوم.
دراسته و شيوخه:
دخل الحسن بن إبراهيم المدرسة الابتدائية الفرنسية المؤسسة سنة 1836 م، و كان في من لازمه و اخذ عنه من علماء الجزائر الشيخ مصطفى الحاج احمد الحرار، المعروف بالقاضي الحرار، تلقى عليه علوما كثيرة و معارف جمة و تزوج ابنته، و أنجب أولادا ثلاثة هم إبراهيم، و احمد و عمر. و بعد ان استكمل دراسته على يده أجازه إجازة عامة مطلقة مؤرخة في 1855 م.
المناصب التي تولاها:
ينتمي بريهمات الى العائلات الجزائرية الحضرية التي توارثت العلم و الجاه، و التي استطاعت السلطات الفرنسية ان تقنعها بادخال ابنائها الى المدارس الفرنسية لتعلم اللغة الفرنسية و الاطلاع على الحضارة الغربية، وكان بريهمات ممن اطلعوا و تعلموا بالمدارس الفرنسية و لهذا فقد تولى من الوضائف الرسمية ادارة المدرسة العربية الفرنسية لمدينة الجزائر، و لما عينت حكومة الإمبراطور نابليون الثالث لجنة الكونت (لوهون comte lehoun) و (راندون randan ) للبحث في اسباب حوادث المجاعة و النكبات الطبيعية التي كان يعاني منها الشعب الجزائري خلال السنوات 1866 - 1868 م، كان حسن بن ابراهيم من ضمن الأعيان الثلاثة الذين استجوبتهم اللجنة المذكورة، حيث سأل عن منطقة الجزائر، في حين سئل المكي بن باديس عن منطقة قسنطينة و أحمد ولد القاضي عن منطقة وهران.
تولى القضاء في البليدة بتاريخ 15 ابريل 1853 م بتعيين من الحاكم العام للجزائر (راندون)، و عين في سنة 1855م باقتراح من رئيس القطاع العسكري مديرا لمدرسة الجزائر الشرعية الفرنسية، كما كان قد عين قبلها في سنة 1854 م عضوا في المجلس الفقهي.
في سنة 1860 م عهد إليه مع مجموعة من زملائه منهم المفتي حميدة العمالي، و الصحفي السياسي أحمد البدوي و محمد بن مصطفى بترجمة القانون الخاص بالمحاكم الإسلامية في الجزائر و هو القانون الذي أصدره نابليون الثالث في سنة 1859 م.
عين عضوا بالمجلس الاستشاري بالحكومة العامة سنة 1865 م، و هو منصب خاص ببعض الجزائريين الذين تعينهم السلطة لتمثيل الأهالي.
بريهمات الشاعر:
رغم ان ابن بريهمات ليس من الشعراء المشاهير فقد عبر عن اعجابه بكتاب " أقوم المسالك " للمصلح الشهير خير الدين التونسي شعرا، و ذلك في ابيات بعث بها الى خير الدين سنة 1284 هـ/ 1867م، وليس قوة التعبير و لا قوة الشاعرية هي التي تهمنا هنا و لكن روح القائل و محتوى قوله، فقد نوه ابن بريهمات بشخصية خير الدين و باختياره منهج الإصلاح في السياسة و الانتصار للدين و الوطن، و قد امتدحه على أن ما جاء به من أفكار في الإصلاح إنما هو طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية مع مراعاة حال الناس و العصر، و لذلك استوجب الشكر من الجميع
يقول ابن بريهمات في ذلك (1]:
لله درك خير الدين من علم .... ابدى منارَ الهدى للناس في القُنَنِ
نهجت نهجا قويما قلَ سالكه .... الى السياسة كي ينجو من الفتن
وقد اعتبر ما جاء في " اقوم المسالك " عبارة عن نصيحة توجه بها خير الدين للمسلمين كافة و لذلك خاطبه قائلا:
نعمُ ُ على الشرع قد بينت ضابطها ..... مراعيا فيه حال الناس و الزمن
حق على أمة الاسلام شكركمُ .... و رعيٌٌ تأليفكم بالقلب و الأذن
(هذه القطعة مذكورة في ''تعريف الخلف برجال السلف 2/ 119 و هي في 14 بيتا).
و فاته:
توفي الحسن بن ابراهيم بتاريخ 8 مارس 1884 في القصبة بالجزائر العاصمة، و دفن بتربة الشيخ عبد الرحمن الثعالبي.
المصادر:
- أعلام الجزائر – منشورات وزارة المجاهدين (2007 م).
- عبد الرحمن الجيلالي - تاريخ الجزائر العام ج4
- ابو القاسم سعد الله - تاريخ الجزائر الثقافي ج 4
- الحفناوي - تعريف الخلف – مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1985.
- آلان كريستو، محاكم الشريعة الاسلامية، برنستون 1985م.
- ابو حامد العربي بن علي المشرفي، ذخيرة الاواخر و الاول فيما ينتظم من اخبار الدول (خطوط).
¥