تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما عرف الامام التنسي باهتمامه الكبير بالأدب شعرا ونثرا، وكثير اهتمامه بالتاريخ. وإذا كان معاصروه والمترجمون له، قد انتبهوا لقوة حافظته، ولسعة اطلاعه، ولتبحره في علم الحديث النبوي الشريف، وفي الفقة فإننا نلاحظ أنهم حرصوا كل الحرص، على إظهار ميله إلى التاريخ والأدب، مع أن الاهتمام بالمادتين كما هو معروف، كان قليلا في ذلك العصر الذي تغلبت فيه العلوم الدينية والتصوف على الحياة العلمية، فوصف أحمد الونشريسي صاحب "المعيار المعرب، والجامع المغرب عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب" الامام التنسي: "بالفقيه، الحافظ، التاريخي، والأديب الشاعر".

و قد أورد المقري أبو العباس أحمد في كتابه:" أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض: 1/ 85 " كيف انه كان بنتقد و يعلق على قصائد الشعراء و منهم الشاعر الاديب ابن الخطيب، قال المقري: ( ... و كان الفقيه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن الخطيب المذكور آنفا كثيرا ما يوجه إليه بالأمداح [السلطان أبو حمو الزياني] ومن أحسن ما وجه له قصيدة سينية فائقة وذلك عندما أحس بتغير سلطانه عليه فجعلها مقدمة بين يدي نجواه لتمهد له مثواه وتحصل له المستقرة إذا ألجأه إلى الأمر إلى المفر فلم تساعده الأيام كما هو شأنها في أكثر الأعلام وهي هذه:

أطلعن في سدف الفروع شموسها ... ضحك الظلام لها وكان عبوسا

و عطف قضبا للقدود نواعما ........ بوئن أدواح النعيم غروسا

قال الحافظ أبو عبد الله التنسي رحمه الله ورضى عنه: حذا أبن الخطيب في هذه السينية حذو أبي تمام في قصيدته التي أولها:

أقشيب ربعهم أراك دريسا ... تقري ضيوفك لوعة ورسيسا

و أختلس كثيرا من ألفاظها ومعانيها) انتهى.

وقد اشتهر الإمام التنسي أيضا بالإفتاء كباقي كبار العلماء. ومما يثبت اهتمامه بالافتاء، جوابه الطويل في "قضية يهود توات"، وقد بسط هذه النازلة الإمام أحمد بن يحي الونشريسي في موسوعته الفقهية: "المعيار المعرب عن فتاوى إفريقية والأندلس والمغرب".

و ملخصها:

'' .... وأصل المشكلة هو أن بعض المسلمين من "توات"، تلك الناحية المتواجدة على ضفاف نهر "الساورة" في وسط الصحراء الجزائرية، والتي تضم عددا من الواحات أو القصور كما يسميها سكان الجنوب، قد أنكروا على اليهود القاطنين في المنطقة، سلوكهم، ومخالفتهم للقوانين، وللتراتيب التي حددها لهم الفقهاء المسلمون، على مر العصور. وتفاقمت الأزمة بعد أن شيد أولئك السكان من اليهود، كنيسة جديدة لهم في "تمنطيط". وقد أثار هذا الخبر ثائرة المتشددين، الذين اعتبروا تشييد معبد جديد، مخالفة صريحة للشريعة التي تسمح للذميين بإصلاح معابدهم القديمة فقط، وتحظر عليهم بناء معابد جديدة، غير أن بعض العلماء المحليين، وعلى رأسهم قاضي المدينة، خالفوا أولئك المتشددين وقالوا: إن اليهود ذميون، لهم ما لأهل الذمة من الحقوق المنصوص عليها في كتب الفقه. وقد احتج كل فريق بأحاديث نبوية، وبأقوال السلف من الأئمة والفقهاء. غير أن كلا الفريقين لم يقو على فرض آرائه، وعلى استمالة عامة الناس إليه. وكان في مقدمة الناقمين على اليهود، العالم الكبير محمد بن عبد الكريم المغيلي. وقد اشتهر هذا الفقيه بنشاطه، وبحيويته في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي نشر تعاليم الإسلام ببلاد الزنوج، فأصدر فتوى في حق اليهود القاطنين في مدينة توات وفي بعض مدن الشمال الإفريقي، أكد من خلالها أن سيطرة اليهود على عموم نواحي الحياة في تلك الديار، وبخاصة النواحي الاقتصادية، يتنافى مع مبدأ الذلة والصغار التي اشترطها الإسلام مقابل حمايتهم وعيشهم بين ظهراني المسلمين. وعليه فإن هذا التفوق لليهود وإمساكهم بزمام السلطة من خلال سيطرتهم على التجارة، يستوجب - في نظر هذا العالم - محاربتهم وهدم كنائسهم وكسر شوكتهم ليعودوا إلى الذل والصغار. وقد أثارت هذه الفتوى، من قبل الإمام المغيلي، ردود فعل كثيرة في أوساط معاصريه من العلماء بين مؤيد ومعارض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير