الرياسة المأخوذ في مفهومها لا يتفق مع التعدد؛ ولأن من أوائل مقاصد الدين توحيد الأمة الإسلامية ورعاية مصالحها المشتركة واعتبار المسلمين في سائر أقطار الأرض كالجسم الواحد الذي لا يكون له إلا قلب واحد ينبعث منه دم الحياة إلى سائر الأعضاء.
ب - شروط الخليفة في الإسلام: اتفقت المذاهب الأربعة على اشتراط الإسلام، والبلوغ والعقل، والحرية والذكورة، والقدرة على إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، وحماية بيضة المسلمين، وسلامة السمع والبصر والنطق، وأن يكون ذا رأي وبصارة بتدبير المصالح العامة للمسلمين.
وأما الاجتهاد فالجمهور على اشتراطه، ويرى بعضهم صحة الاستغناء عنه باستفتاء العلماء.
وكذا القرشية فقد نقل ابن خلدون أن الجمهور على اشتراطها أيضًا. وأن كثيرًا من المحققين ومنهم أبو بكر الباقلاني على خلاف ذلك كما أن الجمهور على اشتراط العدالة أيضًا.
وقد اتفق العلماء على أن محل رعاية ما وقع الاختلاف فيه من هذه الشروط إنما هو حالة الاقتدار والاختيار لا حالة العجز والاضطرار.
...
المسألة الثانية
الخلافة واجبة في الإسلام
الإمامة (الخلافة) واجبة في الإسلام، وقد استدل لهذا في شرح العقائد بقوله صلى الله عليه وسلم (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، ولأحمد والطبراني (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) أخرجاه من حديث معاوية. ولمسلم في صحيحة عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) ولأن الأمة قد جعلت أهم المهمات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نصب الإمام على ما في الصحيحين من حديث سقيفة بني
ساعدة، وكذا بعد موت كل إمام، ولأن كثيرًا من الواجبات الشرعية يتوقف عليه كتنفيذ الأحكام وإقامة الحدود، وسد الثغور، وتجهيز الجيوش، وقسمة الغنائم، وقهر المتغلبة والمتلصصة، وقطاع الطرق، وقطع المنازعات الواقعة بين العباد، وقبول الشهادات القائمة على الحقوق، ونحو ذلك من الأمور التي لا يتولاها آحاد الأمة.
...
المسألة الثالثة
بم تنعقد الخلافة؟
اتفق العلماء على أن لانعقاد الخلافة ثلاث طرائق:
الطريقة الأولى: النص من الإمام السابق.
الطريقة الثانية: بيعة أهل الحل والعقد من المسلمين، وأهل الحل والعقد هم الذين يطاعون في الناس من العلماء والأمراء والوجوه وأهل الرأي والتدبير. ولابد عند جمهور العلماء من أن يكونوا عدولاً. ولابد عند الحنفية في طريقتي النص والمبايعة من نفاذ حكم من نص عليه أو بويع، فإن لم ينفذ حكمه في الناس لعجزه لم يصر إمامًا.
الطريقة الثالثة: (التغلب والقهر من شخص مسلم وإن لم تتحقق فيه الشروط الأخرى).
وبعد الفراغ من تلاوة هذا التقرير.
اقترح حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عطا الله الخطيب أفندي إمهال المؤتمر يومًا ليتمكن حضرات الأعضاء من نظر التقرير في سعة وإبداء آرائهم فيه.
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ أحمد هارون. هذه مسائل علمية نقلية محضة وهي معروفة عند العلماء، ولا تقبل شيئاً من المناقشة ولا أرى وجهاً لإعطاء مهلة لدرسها.
وقال حضرة الأستاذ عبد العزيز الثعالبي أفندي: لا يشك شاك في أن مسألة الخلافة من أهم المسائل، والبت فيها من الصعوبة بمكان عظيم. فأقترح تأجيل المؤتمر سنة حتى نقتل هذه المسألة بحثًا. وأن البحث الفقهي في هذه المسألة غير كاف. فللظروف أحكام وللأمكنة أحكام. وتأثر النظم الإسلامية ببعض السياسات الأجنبية له حكم آخر.
وقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد الأحمدي الظواهري: نحن لم نرد فيما اجتمعنا لنظره من المسائل العلمية أن نكون مجتهدين لنحدث آراء جديدة ومذاهب جديدة في الإسلام. أن بحثنا ينحصر فيما نقول المذاهب المعتبرة في الإسلام. أما التطبيق فلكم أن تقولوا: إن هذا ليس من اختصاصنا.
وقال حضرة الأستاذ عبد العزيز الثعالبي أفندي: لا أريد مذهبًا جديدًا أو القول بالاجتهاد، إنما أقول ذلك مستفتيًا. فإن كنتم تنقلون مسائل غير قابلة للتطبيق في هذا العصر فماذا يكون الحكم؟
¥