تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يبرز المؤلفان فى خاتمة الكتاب فرقا واضحا بين دور اليهود فى قصور المسلمين و فى قصور الملوك الاوروبيين: لم يثق ملوك أوربا مطلقا فى اليهود ولم يعهدوا إليهم بمهام ذات طابع خاص، أما الملوك المسلمون فقد قلدوا اليهود مناصب حساسة وأولوهم ثقتهم. هناك فرق آخر: كان الملوك الأوربيون يوثّقون كل شئ، فحينما رغب الملك الإسبانى فى الاستفادة من موقع ومعلومات باياتشى تم تحرير وثيقة تبين حدود وشروط التعامل بين صمويل باياتشي والتاج الإسباني، فهل كانت هناك وثيقة تحدد شروط تعاونه مع السلطان المغربي؟ مرة أخرى نلفت الانتباه إلى أن امتنا أهملت التوثيق في مراحل من تاريخها.

4 - اليهودى بين الحقيقة والأسطورة:

وثائق الكتاب تدعونا إلى التأمل فى مسالة صغيرة لكنها متكررة: خبر غير مؤكد يتعلق بيهودى يرد فى وثيقة ما، ثم يتناقله المؤرخون وينسجون حوله الأساطير حتى يصبح شيئا مؤكدا لا يجرؤ أحد على التشكيك فيه. وهكذا يصبح من المسّلمات أن اليهود هم الذين شيدوا هذا الأثر أو ذاك، وهم الذين أسسوا ذلك العلم، وهم أصحاب الفضل في هذا الاختراع أو ذاك ....... كل ذلك على غير أساس. القصة التى يوردها الكتاب تقول إن صمويل باياتشي اصطدم بالسفير الإسباني فى هولندا فى عام كذا. الجدير بالذكر أن "الخبر" قد ردده اليهود كثيرا من باب الإشادة بشجاعة باياتشى، وتناقل الناس الخبر حتى أضحى كالوقائع الثابتة، ثم تبين بعد ذلك عدم وجود وثائق أخرى تؤكد صحة الواقعة وأن الأمر لا يعدو كونه من باب المبالغات.

الذى يتأمل واقع اليهود اليوم يكاد يرى أنهم أقوياء أذكياء يحبون بعضهم بعضا ........ الخ، وقد يتوصل الإنسان إلى نظرية تقول بأن اليهود صنف من البشر يتفوق على الآخرين. لكن الوثائق التى يعرضها الكتاب تقول غير ذلك، وتؤكد أن اليهود فى القرنين السادس عشر والسابع عشر قد تجسس بعضهم على بعض، وكان بأسهم بينهم شديدا. إذن فوضع اليهود حاليا وضع مؤقت قد يتغير إن هم أهملوا أسباب القوة ولا يعود إلى اختلافهم كجنس عن بقية شعوب الأرض. هذا يعنى كذلك أن الأخذ بأسباب القوة والوصول إلى امتلاكها ليس حكرا على اليهود دون غيرهم، بل تستطيع الأمم أن تجد وتجتهد وتمتلك من أسباب القوة ما يمكّن لها من العيش بكرامة.

نعم كان كل فرد من عائلة باياتشى يعمل لصالح الأسرة كلها , لكن يجب ألا ننسى وجود صراعات يعرضها الكتاب بين مجموعات يهودية. فعلى سبيل المثال لم يرحب اليهود الإسبان كثيرا بوصول اليهود البرتغاليين لان وصولهم كان يعنى تعرضهم للخطر، إذ سيعيد إلى أذهان محكمة التفتيش مسألة محافظة الكاثوليك ذوى الأصول اليهودية على دينهم القديم .........

5 - اليهود بين الإسلام والمسيحية:

هناك أمر يلفت النظر، فاليهودى صمويل باياتشى قد عاش بين ظهرانى المسلمين فى فاس وبين ظهرانى الكاثوليك فى إسبانيا، وهو يؤكد من خلال التجربتين أن "اليهود -على الرغم من حالة الذل التى كانوا يعيشون فيها فى فاس- فإن ذلك كان أفضل من العيش فى أرض المسيحيين". لكن المؤلفين يعلقان فى جملة لاحقة بأن باياتشى لم يكن صادقا حين أعلن ذلك، ولا يوضح لنا المؤلفان الأسباب التى استندا إليها فى هذا الحكم.

حالة الانتقال من دين إلى آخر عند اليهود تدعو إلى العجب. تأمل مثلا حالة فرانثيسكو ديل اسبيريتو سانتو، فقد ولد لأسرة يهودية فى مراكش، وعندما بلغ عامه العشرين تحول إلى الإسلام فى مدينة فاس، حيث كان يعمل فى خدمة السلطان المغربى، ثم ذهب إلى إسبانيا وتحول إلى المسيحية، ثم يؤكد بعد ذلك أنه يعتنق دين موسى ويريد أن يموت عليه ...... وعموما فإن الكتاب يلقي الضوء علي قدرة اليهودي علي إخفاء هويته الدينية عند عقد التحالفات السياسية.

يوضح الكتاب أن مدينة فاس المغربية كانت الملجأ الذى اختاره اليهود بعد طردهم من إسبانيا عام 1492، ففى تلك السنوات كانت البلاد الأوربية التى تسمح لليهود بالعيش فيها قليلة: البرتغال و بعض المدن الإيطالية. كانت القوة الإسلامية بالنسبة لليهود بمثابة المنقذ لهم من الاضطهاد المسيحى، ولذلك فعندما انتصر المغاربة علي الملك البرتغالي سباستيان احتفل اليهود بالنصر وأقاموا صلاة الشكر، وهي صلاه لا تزال تقام حتي اليوم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير