[أيسر محفوظاته كتاب الأغاني!]
ـ[أم حنان]ــــــــ[14 - 03 - 08, 12:03 ص]ـ
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
ورد في كتاب (المعجب في تلخيص أخبار المغرب) لمؤلفه عبالواحد
بن علي المراكشي مايلي:
ومن غزارة حفظه (الوزير الكاتب الأبرع ذو الوزارتين أبو محمد عبد المجيد بن عبدون) -رحمه الله- ما حدث الوزير الأجل أبو بكر محمد ابن الوزير أبي مروان عبد الملك بن أبي العلاء زُهْر بن عبد الملك بن زهر2 - وكان أبو بكر هذا قد مات عن سن عالية، نيف على الثمانين- قال:
بينا أنا قاعد في دهليز دارنا وعندي رجل ناسخ أمرته أن يكتب لي كتاب الأغاني3 فجاء الناسخ بالكراريس التي كتبها؛ فقلت له: أين الأصل الذي كتبت منه لأقابل معك به قال: ما أتيت به معي؛ فبينا أنا معه في ذلك إذ دخل الدهليز علينا رجل بَذُّ الهيئة، عليه ثياب غليظة أكثرها صوف، وعلى رأسه عمامة قد لاثها4 من غير إتقان لها؛ فحسبته لما رأيته من بعض أهل البادية، فسلم وقعد وقال لي: يا بني، استأذن لي على الوزير أبي مروان؛ فقلت له: هو نائم؛ هذا بعد أن تكلفت جوابه غاية التكلف؛ حملني على ذلك نزوة الصِّبا وما رأيت من خشونة هيئة الرجل. ثم سكت عني ساعة، وقال: ما هذا الكتاب الذي بأيديكما؟ فقلت له: ما سؤالك عنه؟ فقال: أحب أن أعرف اسمه، فإني كنت أعرف أسماء الكتب! فقلت: هو كتاب الأغاني؛ فقال: إلى أين بلغ الكاتب منه؟ قلت: بلغ موضع كذا، وجعلت أتحدث معه على طريق السخرية به والضحك على قالبه، فقال: وما لكاتبك لا يكتب؟ قلت: طلبت منه الأصل الذي يكتب منه لأعارض به هذه الأوراق، فقال: لم أجئ به معي؛ فقال: يا بني، خذ كراريسك وعارض؛ قلت: بماذا؟ وأين الأصل؟ قال: كنت أحفظ هذا الكتاب في مدة صباي؛ قال: فتبسمت من قوله، فلما رأى تبسمي قال: يا بني, أمسك علي؛ قال: فأمسكت عليه وجعل يقرأ، فوالله إن أخطأ واوًا ولا فاء؛ قرأ هكذا نحوًا من كراستين، ثم أخذت له في وسط السِّفْر وآخره، فرأيت حفظه في ذلك كله سواء.
فاشتد عجبي، وقمت مسرعًا حتى دخلت على أبي, فأخبرته بالخبر ووصفت له
ص -70 - الرجل؛ فقام كما هو من فوره، وكان ملتفًّا برداء ليس عليه قميص، وخرج حاسر الرأس حافي القدمين لا يرفُق على نفسه، وأنا بين يديه، وهو يوسعني لومًا، حتى ترامى على الرجل وعانقه، وجعل يقبل رأسه ويديه ويقول: يا مولاي اعذرني، فوالله ما أعملني هذا الجِلْفُ1 إلا الساعة؛ وجعل يسبني، والرجل يُخفِّض عليه ويقول: ما عرفني؛ وأبي يقول: هَبْهُ ما عرفك، فما عذره في حسن الأدب.
ثم أدخله الدار وأكرم مجلسه وخلا به فتحدثا طويلًا؛ ثم خرج الرجل وأبي بين يديه حافيًا حتى بلغ الباب، وأمر بدابته التي يركبها فأسرجت، وحلف عليه ليركبنَّها ثم لا ترجع إليه أبدًا.
فلما انفصل قلت لأبي: من هذا الرجل الذي عظمته هذا التعظيم؟ قال لي: اسكت ويحك! هذا أديب الأندلس وإمامها وسيدها في علم الآداب، هذا أبو محمد عبد المجيد بن عبدون، أيسر محفوظاته كتاب الأغاني؛ وما حفظه في ذكاء خاطره وجودة قريحته.
سمعت هذه الحكاية من أبي بكر بن زهر -رحمه الله- حين دخلت عليه وقد وفد على مراكش لتجديد بيعة أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد بن أبي يوسف في شهور سنة 595.
وأنشدني الوزير أبو بكر المذكور في هذا التاريخ لنفسه -بعد أن سألني عن اسمي وعن نسبي فتسميت وانتسبت، وتسمى لي هو -رحمه الله-, وانتسب من غير استدعاء، تواضعًا منه وشرف نفس وتهذيب خلق، قدس الله روحه وسامحه: من البسيط
لاح المشيب على رأسي فقلت له: الشيب والعيب, لا والله ما اجتمعَا
يا ساقيَ الكأسِ لا تعدل إليَّ بها فقد هجرت الحُمَيَّا والحميم معَا! 2
وأنشدني -رحمه الله- وقال: احفظ عني: من البسيط
إني نظرت إلى المرآة إذ جُليتْ فأنكرت مقلتاي كل ما رأتَا
رأيتُ فيها شُيَيْخًا لست أعرفه وكنت أعرف فيها قبل ذاك فتَى
هذا ما أنشدني لنفسه بلفظه -رحمه الله-. ـ
المصدر:موسوعة التاريخ الاسلامي
http://www.islamspirit.com/islamspirit_program_035.php
ـ[أم معين]ــــــــ[14 - 03 - 08, 04:15 ص]ـ
جزاك الله خيرا أختي
ـ[محمد سعيد الأبرش]ــــــــ[15 - 03 - 08, 12:08 ص]ـ
سبحان المعطي الوهاب، لا إله إلا هو.
جزاك الله خيراً وبارك فيك.
ـ[محمد بن أبي عامر]ــــــــ[15 - 03 - 08, 09:29 ص]ـ
ان الكريم اذا اعطى ادهش
ـ[محمد بن أبي عامر]ــــــــ[15 - 03 - 08, 09:32 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين
ـ[أم حنان]ــــــــ[19 - 03 - 08, 12:37 ص]ـ
بارك الله فيكم جميعا، وجزاكم خيرا