تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأرى أنه ما جرّ على أهل الأندلس هذا إلا جوار النصارى (دمّرهم الله من جيران) ومخالطتهم لتجّارهم، ومكاشفتهم عند الكينونة فى إسارهم، ولذلك حذّرنا من ترائى النيران. قال النبىّ (صلى الله عليه وسلم)، أنا برئ من كلّ مسلم مع مشرك لا تراءى نارهما. وما سرى ذلك إلى هذه العدوة، إلا بالإتباع لهم والقدوة، وما عبر من ذلك البّر، إلى هذا البّر بدعة أشنع منها ولا أضرّ.

قال المؤلّف (رحمه الله ونضّر وجهه وأجزل ثوابه)؛ فإن قيل، فإن كان الأمر كذلك ونبعت هذه العين المالحة من هنالك حتى مدّت أسيالها وبسطت أطنابها وجرّت أذيالها، وسقت البطالة، ذوى الطول والاستطالة، حميّا الفتنة وجريانها حتى أشبهوا أجناس النصارى وأجيالها، وقد استقرّ فى الأنفس أنّ قرارة علم المغرب الأندلس، وبصائر أهل المغرب فى ذلك مستبينة، وعمل قرطبة عندهم كالعمل بالمدينة، فما للراسخين من علمائها، والنحارير من حكامها، والصالحين من دهمائها، لم يصدعوا فى هذه البدع بالإنكار، بالمواعظ والتذكار، بالعشىّ والإبكار، والعادة قاضية فى الأمور الكبار، أن تفشو بها الأحاديث ويستفيض بها الأخبار.

فالجواب، والله الموفق للصواب، أنّ الأخبار قد استفاضت وامتلأت منها الأسماع وفاضت بالزجر والإنكار، والبكع لفاعلها بالتقريع والتبديع بل بالتضليل والإكفار، لكلّ من أعرض عن رواية الآثار، وتعاطى الفقه وتعرّض للفتوى، فلا تسأل عن السقوط لليدين والفم والعثار، وقد جمع فى ذلك شيخنا الفقيه الراوية الثقة التأريخى المسند أبو القاسم خلف بن عبدا لملك بن بشكوال الأنصارى القرطبى جزءاً حسناً هو مما أذن لنا فيه، وكتب به غير مرة إلينا. قال فى باب كراهية النيروز والمهرجان والميلاد وذّم الاحتفال لها، وترك تعظيمها والاستعداد لدخولها (وكان يمنع أكل ما يُذبح لها): كان السلف (رضى الله عنهم) وأهل الخير والفضل والدين والورع يكرهون هذه الفصول المذمومة ويعيبونها على فاعلها والمستعمل لها والمحافظ عليها، لأنها أعياد النصارى. وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): منِْ تشبّه بقوم فهو منهم. ثمّ قال بعد ذلك: فإنى رأيت (عصمنا الله وإيّاك من مضلاّت الفتن، وأعاننا على إحياء السنن) الجمهور اللفيف والعالم الكثيف من أهل عصرنا قد تواطأوا على إعظام شأن هذه البدع الثلاث: الميلاد وينّير والمهرجان، وهو العنصرة، تواطؤاً فاحشاً، والتزموا الاحتفال لها والاستعداد لدخولها التزاماً قبيحاً، فهم يرتقبون مواقيتها ويفرحون بمجيئها، ولعمرى لقد نشبوا فى فتنة هوى، أوقعتهم فى بدعة عمى، وشاّقوا الله ورسوله من حيث لا يعلمون، واستسهلوا هذه البدع حين ألفوها وعظّموها حتى صارت عندهم كالسنة المتّبعة، وسكت العلماء (رضى الله عنهم) عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيها، وتأنّى السلطان فى تغييرها، وتمكّن الشيطان من تزيينها، فوقع الناس من هذه البدع فى أمر عظيم، إلا أن يتداركنا الله برحمته.

ثمّ قال: قال أحمد بن زياد: قال لنا ابن وضّاح: جاء الحديث أنّ عمر بن الخطّاب (رضى الله عنه) قال: اجتنبوا أعياد اليهود والنصارى، فإنّ السخط ينزل عليهم فى مجامعهم، ولا تتعلّموا رطانتهم فتتخلّقوا ببعض خلقهم. قال: وبلغنى أنّ ناساً من أهل العراق قالوا لعبد الله بن عمر (رحمه الله): كيف تقول فى النيروز، فإنّ أهل بلدنا يعظّمونه ويهدون لنا فيه، كأنهم يسألون عن تعظيمه. قال: لا أدرى ما نيروزكم هذا، منْ تشبّه بقوم فهو منهم. وذكر الدورقىّ أنّ عمر بن عبدا لعزيز (رحمه الله) نهى أن يذهب إليه فى النيروز والمهرجان بشئ.

قال ابن وضّاح (رحمه الله): حدّثنا محمّد بن سعيد بن أبى مريم ومحمّد بن يحيى الصدفىّ المصرى قالا: حدّثنا أسد بن موسى عن الربيع بن صبيح عن أبان بن أبى عيّاش قال: لقيت طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعىّ، فقلت له: قوم من إخواننا من أهل السنّة والجماعة ما يطعنون على أحد ويجتمعون يوم النيروز والمهرجان ويصومونهما. فقال طلحة: بدعة من أشدّ البدع والله، أشدّ تعظيماً للنيروز والمهرجان من غيرهم، ثمّ استيقظ أنس بن مالك (رحمه الله) فرقيت إليه فسألته كما سألت طلحة، فردّ علىّ مثل قول طلحة كأنمّا كان معه على ميعاد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير