ولن يروعك في حياتك أسوأ مما تشهد من هول حول هذا الصاري، إذ يتراكم حوله خليط من الكتل البشرية على حال لا ترضي عاقلاً من العقلاء ولا متديناً بأي دين، فيختلط الرجال بالنساء والكبار بالصغار، ويتحلق حول الصاري كثير من المساليب والحمقى ورواد الفسوق، وكبار العصاة المجرمين المدمنين للحشيش وما إليه من الكيوف، ويسمي العامة هؤلاء بالمجاذيب، ويعتقدون أن لهم عند ربهم ما يشاءون، وينخرط هؤلاء كل ليلة في مجالس الذكر التي يقيمونها حول هذا الصاري، وهي أشبه ما تكون بحفلات الرقص الخليع ..
وقبل هذا يعمدون حال وصولهم إلى ضريح البدوي، فيطوفون به طواف القدوم على نحو ما يفعل القاصدون لحج بيت الله الحرام، ويقولون: إن هذه كانت سنة الشيخ عبد العال خليفة السيد، ولهم في هذا الاحتفال بدع شتى ([4]).
من هذا العرض لصورة الاحتفال بمولد البدوي يتضح لنا كيف اتخذ قبره عيداً ووثناً، حيث جعلوا له وقتاً معيناً وموسماً محدداً ينتابونه فيه.
وهذا الفعل محاكاة لليهود والنصارى باتخاذ قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، حيث يقصدون العبادة عندها، وهو بعينه ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، فأرباب الموالد لا يقصدون المشاهد والقبور إلا طلباً للبركة أو الاستغاثة أو الدعاء، فيذبحون لها ويطوفون بها ويمرغون الخدود على أعتابها، وهذا الفعل محادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم مناف لكلمة التوحيد؛ لأن العبادة لا تكون إلا لله عز وجل، ومن صرف نوعاً من أنواعها فقد وقع فيما يناقض (لا إله إلا الله).
وما يفعله أولئك نابع من عقيدة أن الأولياء لهم التأثير في الكون (كما يزعم الصوفية)، وأن الاحتفال بموالد الأولياء والعكوف على قبورهم من الدين، وأنه قربة، فالذين لا يحتفلون بالأولياء ولا يزورون قبورهم ولا يقدمون النذور لها محجوبون من رحمة الله وبركته، بل من لم يفعل هذه الموالد قد يسلب منه الإيمان وتصيبه الأمراض والأسقام، بسبب امتناعه أو اعتراضه على حد زعمهم.
ولا تظن أن هذا القول تجن على أصحاب الموالد، أو هو من نسج الخيال، بل هذه هي حقيقة تلك الاحتفالات، ولنسمع ما يرويه الشعراني ([5]) في طبقاته
معللاً سبب حضوره لمولد سيده البدوي في كل عام، حيث قال: وسبب حضوري مولده كل سنة أن شيخي العارف بالله تعالى محمد الشناوي ([6])
رضي الله عنه أحد أعيان بيته رحمه الله، قد كان أخذ عليّ العهد عند القبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه وسلمني إليه بيده فخرجت اليد الشريفة من الضريح، وقبضت على يدي، وقال سيدي: يكون خاطرك عليه وأجعله تحت نظرك، فسمعت سيدي أحمد رضي الله عنه من القبر يقول: نعم، ثم إني رأيته بمصر مرة أخرى هو وسيدي عبد العال، وهو يقول: زرنا بطنطا ونحن نطبخ لك ملوخية ضيافتك ([7]).
هذه بعض الأسرار التي جعلت عبد الوهاب الشعراني يهتم بمولد سيده ويمضي أيضاً في تخريفاته وتعليلاته لحضور المولد، ولا تستغرب فهذا حال من استحوذ عليه الشيطان واتبع الهوى، حيث قال: تخلفت عن ميعاد حضوري للمولد سنة (948)، وكان هناك بعض الأولياء، فأخبرني أن سيدي أحمد رضي الله عنه، كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح ويقول أبطأ عبد الوهاب ما جاء ([8]).
ولم يكتف الشعراني بذلك، حتى زعم أن الأحياء والأموات يحضرون الاحتفال بمولد سيده عند ضريحه، بل ويحضره النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والأولياء ([9]).
وقد استطرد الشعراني في سرد هذا الهراء وهذه الحكايات الخرافية في الدعوة إلى حضور مولد سيده البدوي، ولننظر في حال من ينكر المولد، أو حضوره عند الشعراني حيث قال: أخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي رضي الله عنه أن شخصاً أنكر حضور مولده فسلب الإيمان فلم يكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام، فاستغاث بسيدي أحمد رضي الله عنه. فقال: بشرط ألا تعود فقال: نعم، فرد عليه ثوب إيمانه.
فهذه نتيجة من ينكر مولد البدوي، أو يمتنع عن حضوره كما يزعم الشعراني، أما من يحضره فالبدوي يحفظه ويرعاه ويشمله بشفاعته ويغفر خطيئته، حيث قال: وعزّة ربي ما عصى أحد في مولدي إلا تاب وحسنت توبته ([10]).
¥