تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بمثل هذا الهراء والكذب الصراح انتشر صيت البدوي، وهذا هو أسلوب كافة الصوفية الدراويش في إثبات كرامات من يزعمون له الولاية، وهذه الدعايات الخرافية الأسطورية استطاعوا أن يجعلوا لمولد البدوي قداسة في النفوس المريضة كأنها قداسة الحج إلى بيت الله الحرام بل أشد. ومن الذي لا يتلهف على حضور مولد البدوي بعد أن يعلم أنه كما يزعم الشعراني وأضرابه يكون مجمعاً للنبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء والصالحين من مشارق الأرض ومغاربها ومن وراء البحار والجبال، ومن الذي يجرؤ على أن يتطاول فينكر ما يقع في هذا المولد من المآثم

والمناكر، أو يجحد النفحات والبركات بعد أن يسمع قصة (السبعين الأسودين)] ([11]). وحكاية: الشوكة التي

اعترضت في حلق العالم تسعة أشهر ([12]) وأسطورة (الفقيه الذي سلب العلم

والإيمان) إلى آخر ما يهرف به الشعراني وأمثاله ([13])؟!

ويتجلى من كلام الشعراني عقيدة تفضيل الولي على النبي، وذلك أن الأنبياء يحجون إلى البدوي في مولده، ولا يستغرب مثل هذا من الصوفية، فقد ادعوا ما هو أعظم من ذلك من الألوهية والربوبية.

وبتلك الدعاوى أصبح مئات الألوف من أتباع السيد يرهبون التخلف عن مولده، ويخشون إن هم قصروا في عادة من عاداتهم نحوه، أو أبطئوا في النذور والقرابين أن يبطش بهم، حتى استدعى الأمر من بعض الذين لا يملكون الأموال التي تفي بمتطلبات ذلك الاحتفال أن يقترضوا بالربا للقيام بالزيارة وحضور المولد.

فالفقراء يستدينون للإيفاء بتلك النذور والقربات، والعمال يكدحون فيضيقون على أنفسهم، مع وجود الحاجة إلى ذلك المال من أجل الإيفاء بلوازمها.

مثل هذا العمل هو الذي أثار مشاعر حافظ إبراهيم، حتى قال أبياته المشهورة التي ينتقد فيها تلك الحال:

أحياؤنا لا يرزقون بدرهم وبألف ألف ترزق الأموات

من لي بحظ النائمين بحضرة قامت على أرجائها الصلوات

يسعى الإمام لها ويجري حولها بحر النذور وتقرأ الآيات

ويقال: هذا القطب باب المصطفى ووسيلة تقضى به الحاجات ([14])

وبهذا العمل أصبح مشهد البدوي تشد إليه الرحال ويفعل عنده ما يفعل عند المشاعر من أعمال الحج من طواف وذبح وغيره، بل أصبح البعض يطلق عليه الكعبة مضاهاة للبيت الحرام، بل قد يفضله البعض الآخر، كما يدل عليه قوله قائلهم:

هو الجوهر المكنون في معدن الرضا بأسراره حلت شموس الحقيقة

هو الكعبة الغراء إذ الغراء بالتياذه تحط الخطايا عن أُناس وجنة ([15])

وحتى يقتنع الزوار بأن ضريح البدوي كالكعبة تماماً رصع أرباب الموالد ودعاة الوثنية مقامه بحجر أسود يتمسح ويتبرك به.

وفي ذلك يقول صاحب الجواهر السنية: ومن كراماته، أي: البدوي أن حجراً أسود مثبتاً في وركن قبته تجاه وجه الداخل من الجهة اليمنى، وفيه موضع قدمين شاع بين الناس وذاع واستفاض وملأ البقاع والأسماع أنه أثر قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من زار الأستاذ يتبرك بمحل القدمين ([16]).

قلت: فصاروا يتمسحون به كما كانت العرب في الجاهلية تفعل بالأحجار والأوثان والأصنام التي كانوا ينصبونها.

أما النذور فهي الهدف الأسمى لسدنة الضريح والدعاة إليه، سواءً كانت تلك النذور عيناً أو نقداً. وقل أن يخلو ضريح من صندوق للنذور، وذلك أن المناسك والمشاعر حوله لا تنتهي إلا بإيداع بعض الأموال فيه.

وعجل البدوي الذي يجهز ويطاف به حول الضريح في موكب معروف ومشهور ([17]).

وقد بلغت قيمة ما أودع من الحصيلة النقدية في صندوق ضريح البدوي في عام (1984م) مليوناً، و (200) ألف جنيه، والنذور العينية في حدود هذا المبلغ، فضلاً على ما يحصل من اختلاس أو تلاعب في الأموال قبل إيداعها ([18]).

من أجل هذه السيولة المالية جاءت المحافظة على مثل هذه الأضرحة وتلك المشاهد والدعوة إلى أحياء الموالد لها، إضافة إلى ما يزعمون أن فيها رواجاً للتجارة والاقتصاد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير