ـ[محمد بن عبد المجيد المصري]ــــــــ[21 - 03 - 08, 04:11 م]ـ
[قراءة في فكر مالك بن نبي]
-2 -
د. محمد العبدة
مشكلة الحضارة:
ينطلق فكر ابن نبي من سؤال لا يزال يلح على المسلمين منذ أن صدموا بالحضارة الغربية وهى تطرق الأبواب وتدخل من كل المنافذ، وكان السؤال: ما هي أسباب تقهقر المسلمين؟ وما هي شروط النهضة ليستعيد المسلمون دورهم وفاعليتهم المفقودة وليكونوا شهداء على الناس؟.
وكانت الإجابة عن هذا السؤال هي محور كتابات وأقوال الذين تصدوا لحركة الإصلاح والنهوض بالأمة على اختلافهم في القرب أو البعد عن الصواب.
بل إن كثيراً منهم كانوا (لا يعالجون المرض بقدر ما يعالجون أعراضه) [1]، وأما الإجابة المتبادرة: (لابد من العودة للدين) فهي وإن كانت صحيحة بلا شك ولكنها بحاجة إلى تفاصيل، فعندما ندخل في عمق الموضوع ونبدأ بالعمل سنجد أن هذا المسلم المقتنع بهذا الجواب يحمل بين جنتبيه أمراضاً اجتماعية وفكرية ونفسية تعيقه عن فهم الكتاب والسنة فهماً صحيحاً، ليتحول هذا الفهم إلى فعالية للتغيير، وهذه الأمراض كانت نتيجة تراكم عصور من الابتعاد عن العلم النافع والعمل المثمر، فالأمة الإسلامية (كالفارس الذي أفلت الركاب من قدميه ولم يسترده بعد، فهو يحاول أن يستعيد توازنه) [2].
كيف نصوغ عقل هذا المسلم مرة أخرى حتى يعود إلى فعاليته؟ من هنا ينطلق ابن نبي ليقول: (إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارية، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، ما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها) [3].
فالمسلم الآن لا يعيش حالة (حضارة) وإنما هو من بقايا حضارة وهي الحضارة الإسلامية طبعاً، ولابد من إدخاله مرة ثانية في دورتها، فالإنسان السابق على الحضارة (العربي قبل البعثة مثلاً) هو مثل جُزَيء الماء قبل وصوله إلى خزان ينتج الكهرباء، فهذا الجزيء منطو على طاقة مذخورة، قابل لتأدية عمل نافع، ولكن هذا الجزيء يفقد طاقته بعد أن استنفذها في إنتاج الكهرباء، وإذا أردنا أن نعيد له قوته علينا أن نرفعه مرة ثانية إلى مكان عال، أو أن يتبخر ثم يتكثف ليعود جزءاً من طاقة مائية تقع قبل خزان معين) [4].
ورفع المسلم إلى هذا المكان السامق لا يتم إلا بشحنة إيمانية عالية وأخلاق كأخلاق الصحابة، ولا يتم هذا إلا (بتوتر روحي) حسب تعبير مالك.
ماذا يقصد بالحضارة؟ (هي: مجموع الشروط الأخلاقية والمادية، التي تتيح لمجتمع معين أن يقدم لكل فرد من أفراده - في كل طور من أطواره -وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة المساعدة الضرورية) [5]، أو: (هي: إنتاج فكرة حية تطبع على مجتمع الدفعة التي تجعله يدخل التاريخ) [6]، (هي ليست كل شكل من أشكال التنظيم للحياة البشرية في أي مجتمع كان، ولكنها شكل نوعي خاص بالمجتمعات النامية واستعداد هذه المجتمعات لأداء وظيفة معينة) [7]، وهي جوهر الوجود للمجتمع، وعكسها هو: الهمجية والعودة إلى البدائية المترحلة [8]، فالعرب انتقلوا بالإسلام إلى حضارة، والشعوب الأخرى انتقلت بعقيدة من العقائد إلى حضارة، فهي قدرٌ محتوم لمجتمع يتحرك لبناء نفسه ولأهداف معينة.
أما العوامل التي تشكل الحضارة؛ فقد صاغها على شكل المعادلة التالية: ناتج حضاري = إنسان زائد تراب زائد وقت.
ولكن هذه المعادلة لابد لها من مُركّب أو مفاعل، وهذا المركب هو (الدين) سواء كان ديناً حقاً كالإسلام، أو بقايا دين أو عقيدة تبلغ عند أصحابها مبلغ الدين في الحماسة لها والتضحية في سبيلها.
(لكي نقيم حضارة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات، وإنما بأن نحل هذه المشكلات الثلاث من أساسها) [9]، فالحضارة لا تستورد ولا تفصل لكل أمة على مقاسها، وهي التي تلد منتجاتها وليس العكس.
من هذه التعاريف يتبين لنا أن: ابن نبي له تعريفه الخاص للحضارة، فهي شكل راق من الحياة الأخلاقية والمادية، وهناك حضارة إسلامية، حضارة غربية ...
إلخ.
وحسب تعريفه هذا: فإن الصين الحديثة أقلعت باتجاه حضارة، فقد اجتمع لها الحماس للفكر واستخدام التراب والوقت، وقبْلها اليابان وروسيا ...
ورغم أهمية هذه المعادلة بالنسبة للعالم الإسلامي الذي لم يقلع بعد.
¥