أرادَ عمر أن يُبايعه بعد وفاة رسول الله، ولكنّ أبا عبيدة قال: "ما كنت لأتقدّم بين يَدي رجُلٍ أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- أن يؤمّنا في الصلاة فأمّنا حتى مات".
ومن مواقفه المشرّفة أنّه أخفى كتاب عمر بن الخطاب الذي يقضي بِعَزْل خالد بن الوليد عن قيادة جيش اليرموك وتولية أبي عبيدة .. أخفى أبو عبيدة كتابَ عمر حتى لا يحرمَ خالداً فرحة النّصر ..
وراحَ أبو عبيدة ينتقلُ من نصر إلى نصر، ومن فتح إلى فَتح، حتى أُصيب بمرض الطاعون، وفاضت روحه الزكيّة في الأردن بعد أن ضربَ أروع الأمثلة في الحكمة والشجاعة وبُعد النّظر ..
رضي الله عن أبي عبيدة وأرضاه، وجعل الجنّة مثواه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .....
الحلقة (8) عبدالله بن عباس
فتحَ الفتى اللبيبُ عينيه على الدنيا فاكتحلَت بقمر النبوّة الساطع، ولازمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- في جميع أحواله مع صغر سنّه. وأقبلَ على العلم برغبة وفرح، فدعا له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: "اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل".
- واشتهر كذلك بالسّخاء ونقاء النفس وطهارة القلب ووسامة الوجه ورجاحة العقل.
- عُرفَ بغزارة علمه. وسموّ أخلاقه. وذكاء قلبه. واتساع معارفه. حتى ملأ الدنيا علماً وفقهاً، لُقّبَ بِحَبْر الأمة، والبحر، وترجمان القرآن.
- كان عمره ثلاث عشرة سنة عندما مات النبي -صلى الله عليه وسلّم- ومع ذلك فقد روى ألفاً وستَّمائة وستين حديثاً.
- فعن عبد الله بن عبّاس -رضي الله عنهما- أنه قال: كنتُ خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- يوماً، فقال: يا غلام، إني أعلّمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجَفّت الصّحف". [حسن، صحيح، أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب صفة القيامة باب 59،4/ 667 برقم 2516].
- وصفه سعد بن أبي وقاص فقال عنه: "ما رأيت أحداً أحضَرَ فهماً، ولا أكثرَ علماً، ولا أوسع حلماً منه" ..
- جعله عمر -رضي الله عنه- مستشاراً له، وقال عنه: إنّه فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول".
- ولاه علي -رضي الله عنه- البصرة.
- انتقل إلى جوار ربّه وهو ابن واحد وسبعين عاماً عام 68هـ في الطائف ..
رضي الله عنه وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ..
الحلقة (9) مصعب بن عمير
عاش الفتى المدلّل حياةً هنيئة بين أهل قريش، حياةً مليئةً بالمتعة والثّراء، ولكنّ النّعيم الذي كان متوفّرًا له لم يَمنع نباهةَ عقله وصفاء قلبه من تتبّع أخبار محمد -صلى الله عليه وسلّم- في دار الأرقم بن أبي الأرقم.
ما إن أصبحَ على مقربةٍ من مُلتقى المؤمنين الأبرار والسّابقين إلى الإسلام الأخيار حتى لامسَ كلامُ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فؤادَه النديّ، فأعلن إسلامه على الفور أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، ولكنّه أخفاه عن أمِّه خُناس بنت مالك ذات الشخصيّة القويّة ..
قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: "ما رأيتُ بمكّة أحداً أحسنَ لِمّةً ولا أرقَّ حُلّةً ولا أنعمَ نعمةً من مصعب بن عمير".
- سمعت أمُّه بخبر إسلامه، فحبسته في ركنٍ من أركان المنزل، ووضعت حراساً لمراقبته أملاً في عودته إلى دين الآلهة الباطل، ولكن من غير جدوى. وقال لأمه مقولته المشهورة: "يا أمّهْ! إني لكِ ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي أنّه لا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله".
- رأى غفلة من حرّاسه، فتمكّن من فكّ أسرِ نفسه، وهاجرَ إلى الحبشة مع من هاجر.
- اختاره النبي -صلى الله عليه وسلم- ليكون سفيرَه إلى المدينة يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عند العقبة.
- كان يُؤثر أخوّة الإسلام على أخوّة الأرحام، وذلك عندما وقع أخوه أسيراً في يدِ مُحرز بن نضلة، قال مصعب لمُحرز: اشدد يديك به؛ فإنّ له أمًّا بمكّة كثيرة المال. فقال له أخوه: هذه وَصاتُك بي يا أخي؟؟ فقال مصعب: إنّ محرزاً أخي دونك. [حياة الصحابة، ج2 ص: 270].
¥