فمنهم ابن أبي العجائز والخشوعي والنصيبي والسلمي المرسي، ونزل فيها الرحالة المشهور ابن جبير الأندلسي كما ورد في رحلته، وممن أخذ الحديث وروى فيها الإمام العز بن عبد السلام والإمام الذهبي وقد تشرفت هذه الدار بالمؤرخ الكبير ابن الاثير حين وفد دمشق فأسمع الحديث فيها.وممن تولى مشيختها علاء الدين بن العطار تلميذ النووي وراوي كتبه و المؤرخ الحافظ البرزالي والحافظ الإمام أبو الحجاج المزي صاحب التآليف الحديثية القيمة،والإمام الفقيه المؤرخ أبو الفداء بن كثير،ومن بركة هذه الدار أنها استقبلت علماء من كل المذاهب فبانيها حنفي وأول من بنيت له شافعي وممن تولاها شيخان حنبليان هما البعلبكي والحارثي وشيخان مالكيان هما الأنفي وابن سيد مما يدل على أن هذه الدار لم يشترط في وقفيتها أن يحصر تدريسها في مذهب معين.
وبعد الهجوم التتري ضعف أمر هذه الدار وغاب ذكرها عن كتب التراجم، ولكن بركة منشئها نور الدين،هيأت من يقوم لخدمتها واستخلاصها مما وصلت إليه من خراب وسوء حال فقام الشيخ أبو الفرج الخطيب 1270 للهجرة بإصلاحها وجلب الماء إليها وقرره القاضي على وظيفة النظر عليها.وكان الشيخ أبو الفرج الخطيب رجلاً صالحاً فأعاد إلى الدار سيرتها الأولى في التعليم والدراسة ,وكان يخلو فيها للدرس والمطالعة ,ويقصده الناس للفتاوى حتى عرفت باسمه فكان يقال لها «مدرسة الشيخ أبي الفرج الخطيب»، وتولاها بعده ابنه الشيخ عبد القادر الخطيب 1311 للهجرة فتابع مسيرة والده في تدبير شؤون الدار ,وتولاها بعده الشيخ أبو الفرج الخطيب الحفيد فكثيراً ما كان يرد عنها تسلط الجوار ,وكان ينفق عليها من ماله الخاص ترميماً وإصلاحاً لما آلت إليه أحوال الأوقاف من إهمال كبير في عهودها الأخيرة «2» وانتقلت أمانة الحفاظ عليها إلى أولاد الشيخ أبي الفرج الخطيب الحفيد فساروا سيرة سلفهم في القيام بشؤون
الدار حفظاً ورعاية , ... وقد مكث الشيخ مجير الخطيب ابن الشيخ أبي الفرج في هذه الدار يؤلف رسالة حديثية قيمة في علم مصطلح الحديث أضا ف فيها جديداً إلى علم الأولين،وهداها إلى الملك المجاهد نور الدين الزنكي اعترافاً بفضله على الأمة ...
إن دار الحديث النورية شاهد على ما كانت عليه أمتنا من اعتزاز بحديث رسول الله وعلى أن أجدادنا ما وقفوا في وجه الصليبيين وما استردوا بيت المقدس إلا بما اعتنوا فيه من إحياء السنة، فهل يكرمنا الله فتعود لهذه الدار مجالس السماع للحديث التي طالما عقدت فيها.
«1» ذكرها العلماء الأوائل منذ إنشائها حتى القرن الثامن بثلاثة أسماء «دار السنة» و «دار الحديث النورية» و «دار السنة النورية» وعرفت في عهودها الأخيرة بالمدرسة النورية الصغرى.ولكن اسمها الحقيقي «دار الحديث النورية» وهي إلى الغرب من الجامع الأموي في منطقة باب البريد في منتصف السوق المسمى بالعصرونية والذي يسمى اليوم بزقاق دار الحديث النورية نسبة إليها لأنها أقدم مبنى في السوق.
«2» كان إهمال الأوقاف مجرباً من الجميع ,فالتكيتان السليمية والسليمانية تحولتا عن وظيفتهما في إيواء اهل العلم والدين ,ومدرسة عبد الله باشا العظم تحولت إلى اسواق تجارية للسياح الأجانب ,والمدرسة الأمينية تحولت إلى أسواق لبائعي الكلف والقماش ,وهلم جرا من تفريط يندى له الجبين.
Email:[email protected]
أهم المصادر:
دار السنة محمد مجير الخطيب
المحاسن السلطانية محمد مطيع الحافظ
مقدمة تاريخ ابن عساكر لصلاح الدين المنجد