تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العودة إلى الجزائر: وصل ابن باديس إلى الجزائر عام 1913 واستقر في مدينة قسنطينة، وشرع في العمل التربوي الذي صمم عليه، وهو إنقاذ أطفال المسلمين وشبانهم من هوة الجهل والتخلف، فبدأ بدروس للصغار ثم للكبار، والمسجد هو المركز الرئيسي لنشاطه، ثم تبلورت لديه فكرة تأسيس جمعية العلماء المسلمين والتي تحدثنا عنها في العدد السابق، ولكن نشاط الشيخ كان متعدداً، واهتماماته كثيرة لا يكتفي أو يقنع بوجهة واحدة، فاتجه إلى الصحافة، وأصدر جريدة (المنتقد) عام 1925 وأُغلقت بعد العدد الثامن عشر؛ فأصدر جريدة (الشهاب) الأسبوعية، التي بث فيها آراءه في الإصلاح، وخاصة إصلاح عقائد الناس من الخرافات والدجل وأساليب الطُّرُقيين، واستمرت كجريدة حتى عام 1929 ثم تحولت إلى مجلة شهرية علمية، وكان شعارها: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها)، وتوقفت المجلة في شهر شعبان 1328هـ / أيلول عام 1939م بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وحتى لا يُكتب فيها أي شيء تريده الإدارة الفرنسية تأييداً لها، وفي سنة 1936 دعا إلى مؤتمر إسلامي يضم التنظيمات السياسية كافة من أجل دراسة قضية الجزائر، وقد وجه دعوته من خلال جريدة (لاديفانس) التي تصدر بالفرنسية، واستجابت أكثر التنظيمات السياسية لدعوته وكذلك بعض الشخصيات المستقلة، وأسفر المؤتمر عن المطالبة ببعض الحقوق للجزائر، وتشكيل وفد سافر إلى فرنسا لعرض هذه المطالب وكان من ضمن هذا الوفد ابن باديس والإبراهيمي والطيب العقبي ممثلين لجمعية العلماء، ولكن فرنسا لم تستجب لأي مطلب وفشلت مهمة الوفد.

إن هذه الدعوة للمؤتمر وحضوره، وذهاب وفد العلماء إلى فرنسا كانت اجتهاداً من ابن باديس - رحمه الله - يرى فيه مصلحة الجزائر ولكن يجب الاعتراف هنا بأن هذه الخطوة كانت خطأً وبشتى المقاييس التي تقوّمه سابقاً ولاحقاً، وتد أصاب الأستاذ مالك بن نبي عندما اعتبر هذا المؤتمر نقطة ضعف في شخصية العلماء حين لجأوا إلى الأساليب غير المجدية؛ لأنها أساليب الضعفاء للحصول على فتات الموائد.

واستغل السياسيون هذا المؤتمر ليصلوا إلى أهدافهم الهزيلة، وأما غير مالك ابن نبي ممن يهاجم جمعية العلماء - فهم في الحقيقة لا يتقون الله في خصوماتهم، ويتكلمون من منطق الحقد والخصومات السياسية الشخصية.

ومثل هذا الخطأ من ابن باديس لا ينبغي أن يحجب عنا العمل العظيم الذي قام به وهو قيادة جمعية العلماء منذ تأسيسها عام 1931م وحتى وافاه الأجل عام 1940م وفقدت الجزائر بفقده عالماً مجدداً ومصلحاً مربياً، وضع كل جهده وإمكاناته لرفع شأن المسلمين في الجزائر، ولم يشغله ذلك عن أوضاع المسلمين في كل مكان.

العوامل المؤثرة في شخصية ابن باديس: لا شك أن البيئة الأولى لها أثر كبير في تكوين شخصية الإنسان، وفي بلد كالجزائر عندما يتفتح ذهن المسلم على معاناته من فرنسا، وعن معاناته من الجهل والاستسلام للبدع - فسيكون هذا من أقوى البواعث لأصحاب الهمم وذوي الإحساس المرهف على القلق الذي لا يهدأ حتى يحقق لدينه ولأمته ما يعتبره واجباً عليه، وكان ابن باديس من هذا النوع، وإن بروز شخصية كابن باديس من بيئة ثرية ذات وجاهة لَهو دليل على إحساسه الكبير تجاه الظلم والظالمين، وكان بإمكانه أن يكون موظفاً كبيراً ويعيش هادئاً مرتاح البال ولكنه اختار طريق المصلحين.

وتأتي البيئة العلمية التي صقلت شخصيته وهذبت مناحيه والفضل الأكبر يعود إلى الفترة الزيتونية ورحلته الثانية إلى الحجاز والشام حيث يعرف على المفكرين والعلماء الذين تأثروا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وما دعا إليه من نقاء العقيدة وصفائها.

وكان لمجلة (المنار) التي يصدرها الشيخ رشيد رضا أثر قوي في النظر لمشكلات المسلمين المعاصرة والحلول المطروحة.

ومما شجع ابن باديس وأمضى عزيمته وجود هذه العصبة المؤمنة حوله، وقد وصفهم هو بالأسود الكبار - من العلماء والدعاة أمثال الإبراهيمي والتبسي والعقبي والميلي ...

وقد عملوا معه في انسجام قلّ أن يوجد مثله في الهيئات الأخرى.

آثار ابن باديس: شخصية ابن باديس شخصية غنية ثرية ومن الصعوبة في حيز ضيق من الكتابة الإلمام بكل أبعادها وآثارها؛ فهو مجدد ومصلح يدعو إلى نهضة المسلمين ويعلم كيف تكون النهضة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير