تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[هشام زليم]ــــــــ[29 - 04 - 08, 01:56 ص]ـ

"كان لليهود نصيب في ثقافة المغربيين و في النفع العميم الذي انتشر منها في جميع أقطار أوربا فناسب أن نخصص فصلا قصيرا لهم. و ليس هناك موضع أسفت على ضيق المجال فيه طبقا لبرنامجي مثل ما أسفت عليه في هذا الكتاب لأن تاريخ المغربيين عظيم و خدمتهم للنوع الإنساني عظيمة جدا و مهمة، و قد غمط أكثر المؤرخين حقهم، و لعبت أيدي المؤلفين المتعصبين لدينهم دورا عظيما و مكروا مكرا كبارا في إخفاء فضلهم فوجب علي أن أقف وقتي أؤلف على الأقل ستة كتب مثل هذا في الإشادة بآثارهم. و لكننا سنوفي التاريخ الديني للنوع الإنساني حقه كاملا و سأجهد نفسي فأبدي تنبيهات قليلة عامة في شأن المغربيين.

كان عدد اليهود في إسبانيا على ما قيل يناهز مائة ألف حين دخلها المغربيون في القرن الثامن. وكان ملوك القوط الغربيين يعاملون اليهود مثل ما كان يعاملهم أهل سائر البلدان النصرانية في أوربا. كانت العامة تعاملهم بغاية الإحتق و القسوة و الوحشية لما يسمعون في حكاية الإنجيل و في مواعظ القسيسين. و كان حكام الكنيسة و حكام الدولة ينبهون و يتلفون أموالهم بلا حياء ولا رحمة. فانظر كيف صار مؤسسو الدين النصراني عبيدا في الممالك النصرانية.

ولكن يهود إسبانيا الذين هاجروا إلى هناك في ايام مدينة الروم- انتعشوا و توقعوا خيرا لما سمعوا بأنه قد قام دين جديد في الشرق يسوس الناس بسياسة جديدة و يعامل أهل إخوانهم في البشرية بالإحسان. و عداوة المسلمين لليهود التي نراها اليوم إنما حدثت فيهم منذ عهد غير بعيد. فالمحمديون الأحرار من أهل دمشق لم يكن يخطر لهم الحقد الديني ببال. و لذلك عاملوا اليهود بغاية التسامح. سمح اليهود أن أولئك القوم المتنورين قد وصلوا بلاد مراكش ثم طمحوا بأبصارهم فوجدوا من اليهود حلفاء و أنصارا في كل مدينة.

جاء المر مغيرين لأجل الغنائم و لمنهم لم يلبثوا أن وضعوا قاعدة لسياسة جديدة كما رأينا. و كان لليهود في تلك السياسة الجديدة مقام رفيع شريف. و كانوا مثل النصارى يؤدون فريضة مالية قليلة, و يلبسون لباسا خاصا و يسكنون في محلات خاصة. و لكنهم سرعان ما برهنوا على عبقريتهم التي لا تدفع و ارتقوا إلى المقامات السامية في المدارس و مناصب الدولة. و كان للنصارى مثل ما كان لهم من الحرية سواء و لكن النصارى لم يكن لهم مثل ما لليهود من الكفاءة. و هناك شيء اخر كان يقرب بين اليهود و العرب ألا وهو التوحيد, لأن دين اليهود دين توحيد فكان يروق للعرب و يلائم ذوقهم من الوجهة العقلية أكثر من أوهام أساطير دين النصارى الذين لهم شرك جاف متبرقع و نسج من الخرافات في عقائده و أعماله. زد على ذلك أن العرب و اليهود كلاهما من سلالة سام ...

لقد لخص سكوت خدمات اليهود في هذه العبارات (2.162) " كان اليهود مدرسين و تلاميذ و مساعدين للمغربيين. و كانوا خزنة و أمناء و مقامهم السامي في الأندلس صار مشهورا في جميع أنحاء أوروبا, فأخذ أولاد إبراهيم المنكوبون في جميع أقطار أوربا ينسلون من كل حدب و يأتون من كل فج عميق إلى تلك الأرض التي تفيض عليهم لبنا فصارت لهم أمة ضمن أمة المغربيين و مع ذلك لم يكن بين الأمتين أدنى تعصب أو جفاء. و كبار تجار اليهود الذين كانوا في البلدان الأخرى يجتهدون في إخفاء ما اكتسبوه بعرق الجبين من المال صاروا يتبوؤون قصورا كقصور الأمراء و يعدون من اعلى الطبقات من الوجهة الإجتماعية و في الأندلس ارتقى اليهود إلى أعلى مناصب الدولة و قد خلدت أسماء كثيرة من علمائهم الكبار منوطة بالتبجيل في سجل علماء المغربيين الواسع. و القسم الأعظم من علماء اليهود المعتبرين الذين اشتمل عليهم فهرست بارثوكشيوس هم من إسبانبا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير