تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحدائق البهيجة لأيدي الخراب و الضياع. و لما رأى الملك أنه ليس له قصر ملكي في المدينة التي كانت أكثر المدن مساكن عالية و قصورا فخيمة أفاق من سباته و بعث في طلب الصناع المتفننين و العملة من المغربيين فبنوا له "ألكزر" القصر الذي نزوره اليوم. و حجراته مثل المقصورة المسماة "هال أوف أمبسدورز-مقصورة السفراء" تخبرنا بأن المغربيين كانوا يعرفون كيف يعيشون.

استراح الإسبانيون قرنين كاملين و بقي الشعبان عائشين في سلم و أمان كالأخوين. و كان الإسباني بطبعه يحب أن يعيش مع جيرانه في سلام و يعظم الشعب الذي كان يراه بالغا ذروة العبقرية. و لكن القسيسين الذين بلغوا في العصبية الحضيض الأسفل كانوا يضادون ذلك الميل. فمازالوا يفتلون للحكام في الذروة و الغارب و يحرضونهم على عدم التسامح في المدن النصرانية الجديدة مع القوم الذين هم بناتها و هم مزينوها, و أخيرا نجحوا في مطلبهم. و هو أن كل مسلم يوجد في بلدانهم يخير بين أمرين إما التعميد و التنصر و إما الجلاء. فاختار المغربيون الجلاء فرارا بدينهم و شعبهم ليعيشوا في جو أمان و اطمئنان. فنشأت منهم مملكة في ناحية غرناطة عدد نفوسها ثلاثة ملايين و كان ذلك في القرن الخامس عشر و هو من عجائب الدنيا و مخازي الأمم النصرانية. فالبلاد التي نشاهدها في غاية الفقر و الخراب كانت هي فردوس أوربة في زمان المغربيين.

و قد جلب المغربيون مياه كثيرة من الجبال و أعالي الأنهار بسبب علمهم و نشاطهم اللذين ليس لهم نظير فوصلت الفلاحة و الغرس بذلك إلى أوج رقيهما. قال سكوت:"لقد فاقت في علو قدرها و أهميتها في نتائجها العملية جهود جميع الأمم المتقدمة و المتأخرة" قلت و لاشك أن هذه مبالغة في التقدير, و لا يقبل هذا الكلام حتى لو قيل قبل عشرين سنة, لكن مقابلة زراعة المغربيين بما كانت عليه أوربا من البؤس و العدم على وجه العموم تجعل لها أعظم وقع في النفس. و النتيجة أن الأقوات كانت كثيرة و رخيصة في الأندلس و كانت أنواعا مختلفة و صارت غرناطة مثل قرطبة غنية و جميلة جدا. و كانت جنات الكرم و التوت الواسعة تؤتى أهلها أجود الحرير. و كانت الفرض-الموانئ- التي وراء الجبال على البحر المحيط تمدهم بجميع الطرف و مواد النعمة و الرفاهية النادرة التي كانت توجد في قرطبة. وكانت الصناعات المغربية أيضا في أوج ارتقائها و كانت هناك مقادير عظام من الجواهر تجعل فيها من الزينة و الزخرفة مالا يأتي عليه الوصف و كان ذلك الزخرف في الأسلحة البديعة و الحلل الفاخرة و الأثاث النفيس.

و من حسن الحظ بقي قصر الحمراء الملكي ليرينا الجلالة و التأنق و الإبداع في فنون المغربيين. و حتى هذه الدرة أصابها ما أصابها على يد الإسبانيين و كانت سائرة في طريق الخراب لولا أن بقية أوربا و أمريكا أجبروهم على أن يقنوا شيئا من الحياء. و حتى في هذا اليوم يجد فيها الإنسلن معنى هذا اللفظ "أرض عبقر" حين يخرج من دهليزها المظلم إلى عرصة الأسود. فيرى سواري المرمر الدقيقة كأغصان البان و يتملى بالنظر إلى سطور الأساطين المستقيمة و سقوفها المصبوغة بالألوان الزاهية إذا نظرت إليها خلتها زرابي فارسية مرشقة, أو رياض أزهار بهيجة قد اشتبكت فيها أشجار الصناعة العجيبة. و لها طنوف مشرفة قد أفرغت في قوالب بديعة يحار الواصف في وصفها. و أما جدرانها ففيها من الترقيش العربي و التشجير و الزخرف و الأمثال و الجكم المسطورة بأجمل شكل شيء يذهب العقل و يروع الناظرين. و لكن ينبغي لنا أن نتصورها في القرنين الرابع عشر و الخامس عشر حين كانت الثياب التي ترى فيها كلها من الحرير الخالص و حين كانت جدرانها تتلألأ بألوان اللازورد و الأرجوان و الذهب, و حين كان الأس و الإترج و الورد, و مباخر الفضة يحترق فيها عود الطيب تفعم جوها بالروائح الطيبة. و كانت على الجبل المجاور لها و سهوله الواسعة الأرجاء عشرات الألوف من القصور الفخام التي لا تقل جمالا و إبداعا من الذوق عن الحمراء, إلا أنها أقل تلألءا بالذهب و الفضة و الجواهر. قال سكوت متلهفا" ماذا عوضنا الغازي الصليبي القشتالي الهمجي عن تلك القصور؟ و أي فائدة يجنيها النوع البشري من وراء تخريبها؟ ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير