تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فليجب عن هذا السؤال أولئك الذين يمجدون طرد الكفار من أوربة. و كان الإسبانيون قد أحرزوا جندا عظيما. أما المغربيون فقد نقص عددهم من ثلاثين مليونا إلى ثلاثة ملايين. و لم يكن ملك إسبانيا فرديناند و ملكتها إيزابيلا عديمي شهامة و عظمة كشهامة المغربيين و عظمتهم فقط, بل لم يكن لهما شيء من المروءة العامة و الحياء. أغار هذا الملك على أموالهم-أموال المسلمين- فنهبها و تركهم يموتون جوعا و بذلك قهرهم و ألجأهم إلى التسليم. حتى الناقدة النصرانية ليدي تشارلوت يونج رق قلبها لما أصاب المغربيين فقالت في (ص190) تذكر العهود و المواثيق التي أعطاها الإسبانيون المغربيون و الشروط التي اشترطها المور عليهم ما نصه: " تكون غرناطة حرما أمنا لكل من يلتجئ إليها من المسلمين من جميع الأقطار, و يكون لأبي عبد الله (الملك) ضيعة في أرض البشرات و أن جميع سكان البلد حتى الذين أسلموا من النصارى يكونون أمنين على أنفسهم و أموالهم و بيوتهم و سلاحهم و خيلهم و لا يسلمون إلا الأسلحة النارية, و أن يتمسكوا بشريعتهم و عاداتهم و لغتهم و لباسهم, و أن تكون مساجدهم مصونة من أي استعمال في غير عبادتهم. و أن دعاويهم تفصل على أيدي قضاتهم المحكمين من قبل الحكام الإسبانيين, و أنهم يؤدون لملك قشتالة من الخراج مثل ما كانوا يدفعون لملوكهم لا غير, و أنهم يعفون من دفع الخراج مدة ثلاث سنين ليستحمعوا و يستردوا ما فقدوا من أموالهم بسبب الحرب و الحصار".

ثم أخذت المؤلفة النصرانية المسكينة تتململ في سائر ما بقي من صفحات كتابها من أجل غدر الملك و الملكة الإسبانيين و نقض عهودهما التي أعطياها المغربيين, لم تشعر الملكة الناسكة بوجوب معاملة المغربيين بمقتضى الشرف, بل لم تشعر إلا بشيئ واحد و هو أنه يجب عليها أن تؤسس (مملكة نصرانية) كاد الناس يتميزون من الغيظ, كيف يتولى عليهم حاكم محمدي كافرأخذ من المسلمين أحد مساجدهم و جعل كنيسة. قالت المؤلفة المذكورة (و كان ذلك نقدا للعهود ثم نفى اليهود و عوملوا بأعظم همجية وحشية).

و لم ينجح القسيسون في تنصير المغربيين مع أنهم أحرقوا مصاحفهم و كتبهم علانية. و جعل أمر المسلمين من الوجهة الدينية إلى رئيس أساقفة طليطلة "المقدس" زيمنس ... و باختصار قد نقض كل سطر من سطور المعاهدة. و غدر الإسبانيون و أهانوا عهودهم, فهاجر قسم عظيم من المغربيين تاركين و راءهم كلما يملكونه, وذهبوا إلى إفريقية. و لكن القسم الأعظم بقوا هناك ينافقون بإظهار النصرانية. و من لم يقبل النفاق منهم صاروا عبيدا للنصارى الغادرين. ثم جاءت المحنة (محاكم التفتيش) فحرم عليهم كل شيئ من أمور دينهم حتى الإغتسال في حماماتهم, و نهبت مئات من بيوت المغربيين و اليهود و طردوا من البلاد التي مدنوها و عمروها, و لم يبق هناك منهم إلا العجزة الذين لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا فكانوا يسجدون لصورة المسيح في الملأ و يبصقون عليه في خلواتهم.

و بينما فرديناند و إيزابيلا يختمان عهد القرون الوسطى تحت سلطان البابا إذ بالنهضة الأوربية الحديثة تأتي على ذلك البنيان من القواعد فتنسفه نسفا و تمحوا سلكانه من إيطالية. و يقول ستانلي لين بول المؤرخ اليقظ " بينما كان زينس رئيس محاكم المحنة في إسبانيا يصدر أوامره بمنع المسلمين من الإستحمام و اختيار صفة الوسخ التي يتصف بها فاتحوهم كان نصف أهل أوربة يرفضون دعاوي الفاتيكان و يتخذونها سخريا و كان العلماء يضعون أساس العلم الحديث".

مدنية المسلمين في إسبانيا ص 101 - 109

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير