كانت سمرقند من حواضر الإسلام العظيمة، ومن أغنى مدن المسلمين في ذلك الوقت، ولها قلاع حصينة، وأسوار عالية ولقيمتها الاستراتيجية والاقتصادية فقد ترك فيها "محمد بن خوارزم شاه" زعيم الدولة الخوارزمية خمسين ألف جندي خوارزمي لحاميتها هذا فوق أهلها، وكانوا أعدادًا ضخمة تقدر بمئات الآلاف أما "محمد بن خوارزم شاه" نفسه فقد استقر في عاصمة بلاده مدينة "أورجندة" ..
وصل جنكيز خان إلى مدينة سمرقند وحاصرها من كل الاتجاهات، وكان من المفروض أن يخرج له الجيش الخوارزمي النظامي، ولكن لشدة الأسف، لقد دبَّ الرعب في قلوبهم، وتعلقوا بالحياة تعلقًا مخزيًا، فأبوا أن يخرجوا للدفاع عن المدينة المسلمة ..
فاجتمع أهل البلد وتباحثوا في أمرهم بعد أن فشلوا في إقناع الجيش المتخاذل أن يخرج للدفاع عنهم، وقرر البعض من الذين في قلوبهم حمية من عامة الناس أن يخرجوا لحرب التتار، وبالفعل خرج سبعون ألفًا من شجعان البلد، ومن أهل الجلد، ومن أهل العلم، خرجوا جميعًا على أرجلهم دون خيول ولا دواب، ولم يكن لهم من الدراية العسكرية حظ يمكنهم من القتال، ولكنهم فعلوا ما كان يجب أن يفعله الجيش المتهاون الذي لم تستيقظ نخوته بعد ..
أحاط جيش التتار بالمسلمين تمامًا، وبدأت عملية تصفية بشعة لأفضل رجال سمرقند ..
كم من المسلمين قتل في هذا اللقاء غير المتكافيء؟!
لقد استشهدوا عن آخرهم، فقد المسلمون في سمرقند سبعين ألفًا من رجالهم دفعة واحدة، والحق أن هذه لم تكن مفاجأة، بل كان أمرًا متوقعًا، لقد دفع المسلمون ثمن عدم استعدادهم للقتال، وعدم اهتمامهم بالتربية العسكرية لأبنائهم، وعدم الاكتراث بالقوى الهائلة التي تحيط بدولتهم ..
وعاد التتار من جديد لحصار سمرقند ..
وأخذ الجيش الخوارزمي قرارًا مهينًا .. !!
لقد قرروا أن يطلبوا الأمان من التتار على أن يفتحوا أبواب البلدة لهم، وذلك مع أنهم يعلمون أن التتار لا يحترمون العهود، ولا يرتبطون باتفاقيات، وما أحداث بخارى منهم ببعيد، ولكن تمسكهم بالحياة إلى آخر درجة جعلهم يتعلقون بأهداب أمل مستحيل، وبالطبع وافق التتار على إعطاء الأمان الوهمي للمدينة، وفتح الجيش أبواب المدينة بالفعل، وخرجوا مستسلمين، فقال لهم التتار: ادفعوا إلينا سلاحكم وأموالكم ودوابكم، ونحن نسيركم إلى مأمنكم؛ ففعلوا ذلك في خنوع، وعندما أخذ التتار أسلحتهم ودوابهم فعلوا ما كان متوقعًا منهم، لقد وضعوا السيف في الجنود الخوارزمية فقتلوهم عن آخرهم، ودفع الجنود جزاء ذلتهم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
ثم دخل التتار مدينة سمرقند العريقة، ففعلوا بها مثلما فعلوا سابقًا في بخارى .. فقتلوا أعدادًا لا تحصى مثلما من الرجال والنساء والأطفال، ونهبوا كل ثروات البلد، وانتهكوا حرمات النساء، وعذبوا الناس بأنواع العذاب البشعة بحثًا عن أموالهم، وسبوا أعدادًا هائلة من النساء والأطفال، ومن لم يصلح للسبي لكبر سنه، أو لضعف جسده قتلوه، وأحرقوا الجامع الكبير، وتركوا المدينة خرابًا ..
وليت شعري!! كيف سمع المسلمون في أطراف الأرض آنذاك بهذه المجازر ولم يتحركوا؟!
كيف وصل إليهم انتهاك كل حرمة للمسلمين، ولم يجتمعوا لقتال التتار؟!
كيف علموا بضياع الدين، وضياع النفس، وضياع العرض، وضياع المال، ثم ما زالوا متفرقين؟! .. لقد كان كل حاكم من حكام المسلمين يحكم قُطرًا صغيرًا، ويرفع عليه علمًا يعتقد أنه في أمان ما دامت الحروب لا تدور في قطره المحدود .. !! لقد كانوا يخدعون أنفسهم بالأمان الوهمي حتى لو كانت الحرب على بعد أميال منهم .. ! فلذلك لا تندهش مما تقرأ الآن أو تسمع ..
نهاية ذليلة:
واستقر جنكيز خان لعنه الله بسمرقند، فقد أعجبته المدينة العملاقة التي لم ير مثلها قبل ذلك وأول ما فكر فيه هو قتل رأس هذه الدولة ليسهل عليه بعد ذلك احتلالها دون خوف من تجميع الجيوش ضده، فأرسل عشرين ألفًا من فرسانه يطلبون محمد بن خوارزم شاه زعيم البلاد، وإرسال عشرين ألف جندي فقط في إشارة كبيرة إلى استهزاء جنكيز خان بمحمد بن خوارزم وبأمته، فهذا الرقم الهزيل لا يقارن بالملايين المسلمة التي سيتحرك هذا الجيش التتري في أعماقها ..
¥