تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

انطلق الفرسان التتار إلى مدينة أورجندة حيث يستقر محمد بن خوارزم شاه، ففر منها مع نفر من خاصته، واتجه إلى نيسابور (في إيران حاليًا) أما الجند فقد تفرق كل منهم في جهة، وجند التتار يتتبعون محمد بن خوارزم شاه مخترقين البلاد الإسلامية إلى نيسابور، وكان من الممكن أن تحاصَر هذه المقدمة التترية في أي بقعة من بقاع البلاد الإسلامية التي يتجولون فيها .. لكن الرعب كان قد استولى على قلوب المسلمين، فكانوا يفرون منهم في كل مكان، وقد أخذوا طريق الفرار اقتداءً بزعيمهم الذي ظل يفر من بلد إلى آخر ..

ولم يكن التتار في هذه المطاردة الشرسة يتعرضون لسكان البلاد بالسلب أو النهب أو القتل، لأن لهم هدفًا واضحًا، فهم لا يريدون أن يضيعوا وقتًا في القتل وجمع الغنائم إنما يريدون فقط اللحاق بالزعيم المسلم، ومن جانب آخر فإن الناس لم يتعرضوا لهم لئلا يثيروا حفيظتهم، فيصيبهم من أذاهم ..

وهكذا وصل التتار إلى مسافة قريبة من مدينة نيسابور العظيمة في فترة وجيزة، ولم يتمكن محمد بن خوارزم شاه من جمع الأنصار والجنود، فالوقت ضيق، والتتار في أثره، فلما علم بقربهم من نيسابور، ترك المدينة واتجه إلى مدينة مازندران (من مدن إيران) فلما علم التتار بذلك لم يدخلوا نيسابور بل اتجهوا خلفه مباشرة، فترك مازندران إلى مدينة الري، ثم إلى مدينة همدان (وهما من المدن الإيرانية أيضًا)، والتتار في أثره، ثم عاد إلى مدينة مازندران في فرار مخزٍ فاضح .. ثم اتجه إلى إقليم طبرستان (الإيراني) على ساحل بحر الخزر (بحر قزوين) حيث وجد سفينة فركبها وسارت به إلى عمق البحر، إلى جزيرة في وسط بحر قزوين، وهناك رضي بالبقاء فيها في قلعة كانت هناك في فقر شديد، وحياة صعبة، وهو الملك الذي ملك بلادًا شاسعة، وأموالاً لا تعد ..

ولكن رضى بذلك لكي يفر من الموت ..

وسبحان الله .. فإن الموت لا يفر منه أحد .. فما هي إلا أيام حتى مات "محمد بن خوارزم شاه" في هذه الجزيرة في داخل القلعة وحيدًا طريدًا شريدًا فقيرًا، حتى إنهم لم يجدوا ما يكفنونه به، فكفَّنُوه في فراش كان ينام عليه .. !!

"أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة" .. (النساء: 78).

أيهما أشرف يا إخواني؟ .. أن يموت الزعيم المسلم ذليلاً في هذه الجزيرة في عمق البحر أم يموت رافع الرأس، رابط الجأش، مطمئن القلب في ميدان الجهاد؟!

أيهما أشرف .. أن يموت مقبلاً أم أن يموت مدبرًا؟!

أيهما أشرف .. أن يموت هاربًا ام ان يموت شهيدًا؟!

إن الإنسان لا يختار ميعاد موته، ولكنه يستطيع أن يختار طريقة موته، الشجاعة لا تُقصِّر الأعمار .. كما أن الفرار والهرب والجبن لا تطيلها أبدًا، والذي يعيش مجاهدًا في سبيل الله يموت مجاهدًا في سبيل الله وإن مات على فراشه ..

روى الإمام مسلم عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الشهادة بصدق، بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" ..

اجتياح فارس:

لقد عادت الفرقة التترية بعد مطاردة "محمد بن خوارزم شاه" على شاطئ بحر قزوين إلى بلاد "مازندران" (في إيران)، ودخلوها بسهولة عجيبة لا لقوتهم، ولكن لضعف نفسيات أهلها في ذلك الوقت، وعندما دخلوها فعلوا بها ما فعلوه في غيرها، فقتلوا وعذبوا وسَبَوا ونهبوا وأحرقوا البلاد.

ثم اتجهوا من "مازندران" إلى الري (مدينة إيرانية كبيرة)، وسبحان الله!! وكأن الله عز وجل قد أراد أن يتم الذلة لمحمد بن خوارزم شاه حتى بعد وفاته، فإن التتار وهم في طريقهم من مازندران إلى الري وجدوا في طريقهم والدته ونساءه ..

ومعهم الأموال الغزيرة والذخائر النفيسة التي لم يُسمَع بمثلها، فأخذوا كل ذلك سبيًا وغنيمة، وأرسلوه من فورهم إلى جنكيز خان المتمركز في سمرقند آنذاك ..

ثم وصل التتار إلى الري فملكوها ونهبوها، وسبوا الحريم واسترقوا الأطفال، وفعلوا الأفعال التي لم يسمع بمثلها، ثم فعلوا مثل ذلك في المدن والقرى المحيطة حتى دخلوا مدينة قزوين (من المدن الإيرانية أيضًا) واقتتلوا مع أهلها في داخل البلد، وقتلوا من أهل قزوين المسلمين ما يزيد على أربعين ألفًا .. !!

ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

اجتياح أذربيجان:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير