اتجهت فرقة من التتار من سمرقند إلى منطقة الطالقان (شمال شرق أفغانستان بالقرب من طاجيكستان) وقد صعب عليهم فتحها لمناعة حصونها، فأرسلوا إلى جنكيزخان؛ فجاء إليها وحاصرها شهورًا حتى تم فتحها، وقتلوا رجالها، وسبوا نساءها وأطفالها، ونهبوا أموالها ومتاعها كما كانت عادتهم ..
3ـ مأساة مرو:
ومرو مدينة كبيرة جدًا في ذلك الوقت، وتقع الآن في دولة تركمانستان المسلمة، وقد ذهب إليها جيش كبير من التتار على رأسه بعض أولاد جنكيزخان، واستعانوا في هذه الموقعة بأهل بلخ المسلمين كما ذكرنا من قبل، وقد تجمع خارج مدينة مرو جيش من المسلمين يزيد على مائتي ألف رجل، وهو جيش كبير جدًا بقياسات ذلك الزمان، وكانت موقعة رهيبة بين الطرفين على أبواب مرو، وحدثت المأساة العظيمة، ودارت الدائرة على المسلمين، وانطلق التتار يذبحون في الجيش المسلم حتى قتلوا معظمه، وأسروا الباقي، ولم يسلم إلا أقل القليل، ونهبت الأموال والأسلحة والدواب من الجيش ..
وقعت الهزيمة المُرَّة بالجيش المسلم، وفُتح الطريق لمدينة مرو ذات الأسوار العظيمة، وكان بها من السكان ما يزيد على سبعمائة ألف مسلم من الرجال والنساء والأطفال ..
وحاصر التتار المدينة الكبيرة، وقد دَبَّ الرعب في قلوب أهلها بعد أن فني جيشهم أمام أعينهم، ولم يفتحوا الأبواب للتتار مدة أربعة أيام، وفي اليوم الخامس أرسل قائد جيش التتار (ابن جنكيز خان) رسالة إلى قائد مدينة مرو يقول فيها: "لا تهلك نفسك وأهل البلد، واخرج إلينا نجعلك أمير هذه البلدة ونرحل عنك" ..
فصدَّق أمير البلاد ما قاله زعيم التتار، أو أوهم نفسه بالتصديق وخرج إلى قائد التتار، فاستقبله قائد التتار استقبالاً حافلاً، واحترمه وقرَّبه، ثم قال له في خبث: "أَخرجْ لي أصحابك ومقرَّبيك ورؤساء القوم حتى ننظر من يصلح لخدمتنا فنعطيه العطايا، ونقطع له الإقطاعات، ويكون معنا"، فأرسل الأمير المخدوع إلى معاونيه وكبار وزرائه وجنده لحضور الاجتماع المهم مع ابن جنكيز خان شخصيًا، وخرج الوفد الكبير إلى التتار، ولما تمكن التتار منهم قبضوا عليهم جميعًا وقيدوهم بالحبال ..
ثم طلبوا منهم أن يكتبوا قائمتين طويلتين:
ـ أما القائمة الأولى: فتضم أسماء كبار التجار وأصحاب الأموال في مدينة مرو.
ـ وأما القائمة الثانية: فتضم أسماء أصحاب الحرف والصناع المهرة، ثم أمر ابن جنكيز خان أن يأتي التتار بأهل البلد أجمعين، فخرجوا جميعًا من البلد حتى لم يبقَ فيها واحد، ثم جاء بكرسي من ذهب قعد عليه ابن جنكيز خان ثم أصدر الأوامر الآتية:
ـ الأمر الأول: أن يأتوا بأمير البلاد وكبار القادة والرؤساء فيُقتَلوا جميعًا أمام عامة أهل البلد!! وبالفعل جاءوا بالوفد الكبير وبدءوا في قتله واحدًا واحدًا بالسيف، والناس ينظرون ويبكون ..
ـ الأمر الثاني: إخراج أصحاب الحرف والصناع المهرة, وإرسالهم إلى منغوليا للاستفادة من خبراتهم الصناعية هناك ..
ـ الأمر الثالث: إخراج أصحاب الأموال وتعذيبهم حتى يخبروا عن كل مالهم، ففعلوا ذلك، ومنهم من كان يموت من شدة الضرب ولا يجد ما يكفي لافتداء نفسه ..
ـ الأمر الرابع: دخول المدينة وتفتيش البيوت بحثًا عن المال والمتاع النفيس، حتى إنهم نبشوا قبر السلطان "سنجر" أملاً في وجود أموال أو ذهبت معه في قبره، واستمر هذا البحث ثلاثة أيام ..
ـ الأمر الخامس: أمر ابن جنكيز خان لعنه الله ولعن أباه أن يُقتَل أهل البلاد أجمعون ..
وبدأ التتار يقتلون كل سكان مرو .. يقتلون الرجال .. والنساء .. والأطفال .. !!
قالوا: إن المدينة استعصت علينا وقاومت، ومن قاوم فهذا مصيره ..
يقول ابن الأثير رحمه الله: "وأمر ابن جنكيز خان بعد أن قتلوا جميعًا أن يقوم التتار بإحصاء القتلى، فكانوا نحو سبعمائة ألف قتيلٍ، فإنا لله وإنا إليه راجعون" ..
4ـ اجتياح نيسابور:
¥