وعندما انتهى جنكيز خان من أمر الزعيم الرئيسي للبلاد "محمد بن خوارزم شاه" وأسقط دولته بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها لقتال الابن "جلال الدين"؛ فوجه إلى "غزنة" جيشًا كثيفًا من التتار ..
وجمع "جلال الدين" جيشًا كبيرًا من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين اسمه "سيف الدين بغراق" وكان شجاعًا مقدامًا صاحب رأي ومكيدة في الحروب، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل، ثم انضم إليه أيضًا ستون ألفًا من الجنود الخوارزمية الذين فروا من المدن المختلفة في وسط وشمال دولة خوارزم بعد سقوطها، كما انضم إليه أيضًا "ملك خان" أمير مدينة هراة بفرقة من جيشه، وذلك بعد أن أسقط جنكيز خان مدينته، وبذلك بلغ جيش جلال الدين عددًا كبيرًا، ثم خرج جلال الدين بجيشه إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى "بلق" وهي منطقة وعرة وسط الجبال العظيمة، وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، ثم جاء جيش التتار، ودارت معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة استمرت ثلاثة أيام ..
ثم أنزل الله عز وجل نصره على المسلمين، وانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين، وكَثُرَ فيهم القتل، وفرَّ الباقون منهم إلى ملكهم جنكيز خان، والذي كان يتمركز في "الطالقان" في شمال شرق أفغانستان ..
وارتفعت معنويات المسلمين جدًا، فقد وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يُهزمون، ولكن ها هو اتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة يؤتي ثماره ..
واطمأنَّ جلال الدين إلى جيشه، فأرسل إلى جنكيز خان في الطالقان يدعوه إلى قتال جديد، وشعر جنكيز خان بالقلق لأول مرة، فجهَّز جيشًا أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهز الجيشان والتقى الجيشان في مدينة "كابول" الأفغانية ..
ودارت موقعة كابول الكبيرة، وكان القتال عنيفًا جدًا .. أشد ضراوة من موقعة غزنة .. وثبت المسلمون، وحققوا نصرًا غاليًا على التتار، بل وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من أيدي التتار ..
وفوق ارتفاع المعنويات، وقتل عدد كبير من جنود التتار، وإنقاذ الأسر المسلمين، فقد أخذ المسلمون غنائم كثيرة نفيسة من جيش التتار، ولكن سبحان الله بدلاً من أن تكون هذه نعمة على جيش المسلمين، أصبحت هذه الغنائم نقمة شديدة وهلكة محققة .. !!
روى البخاري ومسلم عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... فواللهِ ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبسطَ عليكم الدنيا كم بُسِطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم" ..
لقد كانت قلوب المسلمين في هذه الحقبة من الزمان مريضة بمرض الدنيا العُضَال، إلا من رحم الله عز وجل لقد كانت حروبهم حروبًا مادية قومية .. حروب مصالح وأهواء .. ولم تكن في سبيل الله ..
لقد كان انتصارهم مرة وثانية لحب البقاء، والرغبة في الملك، والخوف من الأسر أو القتل .. فكانت لهم جولة أو جولتان، لكن ظهرت خبايا النفوس عند كثرة الأموال والغنائم ..
لقد وقع المسلمون في الفتنة .. !!
اختلف المسلمون على تقسيم الغنيمة .. !!
قام "سيف الدين بغراق" أمير الترك، وقام أمير آخر هو "ملك خان" أمير مدينة هراة .. قام كل منهما يطلب نصيبه في الغنائم .. فحدث الاختلاف .. وارتفعت الأصوات .. ثم بعد ذلك ارتفعت السيوف .. !!
وسقط من المسلمين قتلى على أيدي المسلمين، وكان ممن سقط أَخٌ لسيف الدين بغراق، فغضب سيف الدين بغراق وقرر الانسحاب من جيش جلال الدين، ومعه ثلاثون الألف مقاتل الذين كانوا تحت قيادته!! وحدث ارتباك كبير في جيش المسلمين، وحاول جلال الدين أن يحلَّ المشكلة، وأسرع إلى سيف الدين بغراق يرجوه أن يعود إلى صف المسلمين، ولكنَّ سيف الدين بغراق أَصَرَّ على الانسحاب، فانكسر جيش المسلمين انكسارًا هائلاً .. لقد انكسر ماديًا، وكذلك انكسر معنويًا ..
وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيز خان بنفسه على رأس جيوشه فدَبَّ الرعب والهلع في جيش المسلمين، فقد قلت أعدادهم وتحطمت معنوياتهم، ورأى جلال الدين أن جيشه قد ضعف جدًا .. فماذا فعل؟!
لقد أخذ جيشه وبدأ يتجه جنوبًا للهروب من جيش جنكيز خان أو على الأقل لتجنب الحرب في هذه الظروف ..
¥