تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي آخر سنة 622هـ توفي الخليفة الظالم الفاسد الناصر لدين الله، بعد أن حكم البلاد سبعة وأربعين عامًا متتالية، وكان قبيح السيرة في رعيته، فقد خرَّب العراق، وظلم أهله، أخذ أموالهم وأملاكهم، وطفَّف لهم في المكاييل، وفرض عليهم الرسوم الجائرة والأحكام الظالمة، وفوق كل ذلك ارتكب الذنب العظيم الذي تصغر بجواره كل ذنوبه وهو مراسلة التتار، ومحاولة التعاون معهم ضد المسلمين ..

أحداث سنتي 623 ـ 624هـ:

تولى الظاهر بأمر الله ابن الناصر لدين الله الخلافة العباسية، وكان على النقيض من أبيه تمامًا، فقد كان رجلاً صالحًا، تقيًا أظهر من العدل والإحسان ما لم يَسبق إلا عند القليل، لدرجة أن ابن الأثير قال: "إنه لو قيل: إنه لم يلِ الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثلُه لكان القائل صادقًا"، فرفع الضرائب الباهظة، وأعاد للناس حقوقهم، وأخرج المظلومين من السجون، وتصدَّق على الفقراء، حتى قيل في حقه: إنه كان غريبًا في هذا الزمان الفاسد ولقد قال فيه ابن الأثير -وكان معاصرًا له- كلمة عجيبة، لقد قال: "إني أخاف أن تقصر مدة خلافته؛ لأن زماننا وأهله لا يستحقون خلافته" ..

سبحان الله .. لقد صدق حَدْسُ ابن الأثير، وتوفي الخليفة الظاهر بأمر الله سريعًا! ولم يحكم المسلمين إلا تسعة شهور وبضعة أيام فقط، ومع ذلك فكما يذكر الرواة: رخصت الأسعار جدًا في فترة حكمه، وتحسن الاقتصاد في العراق ..

وتولى الحكم بعد الظاهر بأمر الله المستنصر بالله، والذي ظل في كرسي الحكم حتى سنة 640هـ، أي حوالي سبعة عشر عامًا ..

وفي هذه الأثناء كان جلال الدين مستمرًا في حروبه في المنطقة ليس مع التتار، ولكن مع المسلمين، واستولى على بعض المدن والأقاليم، وكان من أبشع ما فعل هو حصاره لأهل "خلاط" أو "أخلاط" وهي مدينة مسلمة (في شرق تركيا الآن)، فقد قتل منهم خلقًا كثيرًا، وامتدت أيدي الجنود الخوارزميين إلى كل شئ في البلد بالسلب والنهب حتى سبوا الحريم المسلمات ..

ثم حدث أمر مهم جدًا ومحوري في سنة 624هـ وهو وفاة القائد التتري المجرم السفاح جنكيز خان عن عمر يناهز اثنتين وسبعين سنة، ملأها بالقتل والذبح وسفك الدماء والسلب والنهب, وبنى خلال فترة حكمه مملكة واسعة من كوريا في الشرق إلى فارس في الغرب .. بُنِيَت هذه المملكة على جماجم البشر، وعلى أشلائهم ودمائهم .. (ومعظمهم من المسلمين!) ولكن اللوم كل اللوم على من وصل إلى حالة من الضعف مكَّنت مثل هذا الفاسد من أن يفعل في بلاد المسلمين ما يشاء ..

وبموت جنكيز خان هدأت الأمور نسبيًا في هذه المنطقة، واحتفظ التتار بما ملكوه من بلاد المسلمين إلى وسط إيران تقريبًا بينما كان جلال الدين يبسط سيطرته على المناطق الغربية من إيران والمناطق الغربية من بحر قزوين وكأنَّ كل طرف قد رضي بما يملك, وآثر الاحتفاظ بما يعتقد أنه حق له ..

الفترة من 624 هـ إلى 627 هـ:

هذه هي فترة الهدوء النسبي الذي أعقب وفاة جنكيز خان ..

أين كان المسلمون في هذه الفترة؟!

لقد كانوا على عهدهم من الخلاف والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق .. لم يستغل المسلمون مصيبة التتار في زعيمهم الكبير جنكيزخان ليجمعوا صفهم ويحرروا بلادهم، بل شغلوا أنفسهم بحرب بعضهم البعض، وبظلم بعضهم البعض ..

فقد تجددت الخلافات بين جلال الدين وأخيه غياث الدين وتفاقمت، حتى تعاون غياث الدين مع أعداء جلال الدين في حروبه ..

ليس هذا فقط، بل كانت المنطقة بأسرها تموج بالاضطرابات والفتن، ليس في منطقة العراق وفارس فقط، بل في كل ديار المسلمين، فالحروب بين أمراء الشام ومصر كانت مستمرة، ولم تتحد كلمتهم أبدًا، مع أن معظمهم من نفس العائلة الأيوبية بل وأحيانًا من الإخوة الأشقاء، ونتج عن ذلك أمر مريع في سن 626هـ، وهو تسليم بيت المقدس (الذي حرره صلاح الدين الأيوبي قبل ذلك) إلى الصليبيين صلحًا .. !! أي أن المسلمين في الشام اتفقوا على إعطاء بيت المقدس للصليبيين في مقابل أن يترك الصليبيون بعض الإمارات في الشام للمسلمين.

ونعوذ بالله من الضعف بعد القوة، ومن الذلة بعد العزة، ومن الخذلان بعد النصر ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير