تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إن جلال الدين استمر في حروبه البشعة في المنطقة، وكان من مما فعل أن حاصر مدينة "خلاط" مرة ثانية بعد أن تمردت عليه, وأطال عليها الحصار حتى اضطر أهل البلد إلى أكل لحوم الخيل والحمير، ثم أكلوا الكلاب والقطط .. بل والفئران .. !!

ثم سقطت المدينة في يد جلال الدين، فخربها وأكثر فيها القتل وسبي الحريم، واسترقَّ الأولاد, ثم باع الجميع .. وكما يقول ابن الأثير: "إن هذا لم يُسمَعْ بمثله, لاجَرَمَ أن الله عز وجل لن يمهله!! " ..

وعند رؤية مثل هذه الأحداث في كل بلاد المسلمين، ندرك لماذا فعل التتار ذلك بهذه البلاد مع ضخامتها وأعدادها وثرواتها، ولا جرم أن هذه سنة مُطَّرِدة في الكون .. فإنه من كانت هذه حاله فلابد أن يُسَلط عليه طواغيت الأرض, فالله عزوجلَّ لا ينصر إلا من ينصره ..

(إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده" .. (آل عمران: 160) ..

الاجتياح التتري الثاني لأمة الإسلام

أتت سنة 628هـ تحمل هجمة تترية بشعة جديدة على الأمة الإسلامية .. وقد تضافرت عوامل شتى جعلت هذا الاجتياح الجديد على مستوى الاجتياح الأول نفسه الذي حدث سنة 617هـ إلى سنة 620هـ، أو لعله أبشع وأسرع ..

من هذه العوامل:

1ـ استقرار ملك التتار في منغوليا بعد وفاة جنكيزخان، فقد تولى قيادة التتار الزعيم الجديد "أوجتاي" وأخذ ينظم أمور مملكته في معقلها بمنغوليا والصين، وذلك سنة 624هـ إلى سنة 627ـ.

بعد أن تم له ذلك بدأ يفكر من جديد في اجتياح العالم الإسلامي واستكمال الحروب بعد ذلك في منطقة روسيا، ومحاولة استكمال الفتوح في داخل أوروبا، ويبدو أن اجتياح الخلافة العباسية ذاتها وإسقاط بغداد لم يكن من أهداف هذه الحملة؛ لأنها تجاوزتها إلى أوروبا، دون الوقوف أمامها كثيرًا ..

وذلك إما لشدة حصانتها وكثافة سكانها، وإما لتجنب إثارة كل المسلمين في العراق والشام ومصر إذا أُسقِطت الخلافة العباسية، والتي كانت تمثل رمزا مهمًا للمسلمين على ضعفها .. فأراد التتار أن يجعلوها الخطوة الأخيرة في فتوحاتهم .. وهذا هو عين الذكاء ..

كلف الخاقان الكبير "أوجتاي" أحد أبرز قادته بالقيام بمهمة الاجتياح التتري الثاني، وهو القائد "شورماجان" والذي جمع جيشًا هائلاً من التتر، وتقدم صوب العالم الإسلامي من جديد ..

2ـ شهد هذا العام أيضًا 628هـ استمرار حالة الفرقة البشعة التي كانت في الأمة الإسلامية، واهتمام كل زعيم بحدود مملكته، وإن صَغُرَت، وحتى إن بعض الممالك الإسلامية لم تكن إلا مدينة واحدة وما حولها من القرى، ولم يكتفِ الزعماء المسلمون بالفرقة بل كانوا يتصارعون فيما بينهم، ويكيد بعضهم لبعض، ولم يكن أحدهم يأمن أخاه مطلقًا، ولم تكن فكرة الوحدة مطروحة أصلاً ..

3ـ حملت هذه السنة ـ أيضًا ـ النهاية المأساوية الفاضحة لجلال الدين بن خوارزم شاه ..

4ـ نتيجة العوامل السابقة، ونتيجة سوء التربية، وغياب الفهم الصحيح للإسلام، والتمسك بالدنيا إلى أقصى درجة وعدم وضوح الرؤية عند الناس .. فعادوا لا يعلمون العدو من الصديق، ونتيجة الحروب التترية السابقة، والتاريخ الأسود في كل مدينة وقرية مر عليها التتار .. نتيجة كل هذه العوامل فقد دبَّت الهزيمة النفسية الرهيبة داخل قلوب المسلمين، فما استطاعوا أن يحملوا سيفًا، ولا أن يركبوا خيلاً، بل ذهب عن أذهانهم أصلاً التفكير في المقاومة .. وهذا ولا شك سهَّل جدًا من مهمة التتار الذين وجدوا أبوابًا مفتوحة، ورقابًا جاهزة للقطع .. !!

يروي ابن الأثير في الكامل في أحداث سنة 628هـ بعض الصور التي استمع إليها بأذنه من بعض الذين كتبت لهم نجاة أثناء حملات التتار على المدن الإسلامية فيقول:

كان التتري يدخل القرية بمفرده، وبها الجمع الكثير من الناس؛ فيبدأ بقتلهم واحدًا تلوَ الآخر، ولا يتجاسر أحد المسلمين أن يرفع يده نحو الفارس بهجوم أو دفاع .. !!

أخذ تتري رجلاً من المسلمين، ولم يكن مع التتري ما يقتله به، فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض، ومضى التتري فأحضر سيفًا ثم قتله ..

وكان هذا وضع المسلمين في ذلك الوقت .. هزيمة نفسية مُرَّة .. واجتياح تتري رهيب ..

ماذا فعل شورماجان بعد موت جلال الدين؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير