لقد ضم شورماجان شمال إقليم فارس (شمال إيران حاليًا) إلى الإمبراطورية التترية، وذلك في سنة 629هـ، ثم زحف بعد ذلك على إقليم أذربيجان فضمه إلى أملاكه ..
وبتلك الانتصارات التترية، إلى جانب موت جلال الدين، اكتمل سقوط إقليم فارس كله في يد التتار باستثناء الشريط الغربي الضيق الذي تسيطر عليه طائفة الإسماعيلية الشيعية ..
ثم بدا لشورماجان أن يستقر في هذه المناطق ولا يُكمل زحفه إلا بعد ترسيخ قدمه، وتثبيت جيشه، ودراسة المناطق المحيطة .. وما إلى ذلك من أمور تدعم السلطان التتري في هذه المنطقة ..
ظل شورماجان يُرسِّخ حكم التتر في هذه المناطق لمدة خمس سنوات كاملة من سنة 629هـ، إلى سنة 634هـ، وأثناء هذه السنوات الخمس لم تخرج عليه ثورة مسلمة!! ولم يتحرك لقتاله جيش مسلم!! مع أن جيوش المسلمين تملأ المناطق المجاورة لفارس وأذربيجان، وذلك في العراق والموصل ومصر والحجاز وغيرها ..
لكن الكل كان يشعر أن هذا الأمر يُهم أهل فارس وأذربيجان وليس مصيبة عامة على عموم المسلمين .. !!
الاجتياح التتري في الفترة من سنة 634هـ إلى 649هـ:
بعد هذه السنوات الخمس في إقليمي فارس وأذربيجان بدأ شورماجان في سنة 634هـ في الالتفاف حول بحر قزوين من ناحية الغرب لينطلق شمالاً لاستكمال فتوحاته، وبسرعة استطاع أن يسيطر على أقاليم أرمينيا وجورجيا (مملكة الكرج النصرانية) والشيشان وداغستان.
ثم بدأ جيش آخر من جيوش التتار بزعامة "باتو بن جاجي" في قيادة الحملات التترية شمال بحر قزوين, وذلك في السنة نفسها 634هـ وأخذ في قمع القبائل التركية النازلة في حوض نهو الفولجا، ثم 635هـ، وخلال عامين فقط (635هـ ـ 636هـ) احتل التتار دولة روسيا بكاملها ..
وفي سنة 639هـ مات الخاقان الكبير ملك التتار "أوجتاي" فاضطر الأمير "باتو بن جاجي" أن يوقف الحملات، ويستخلف أحد قواده على المناطق المفتوحة، ويعود إلى "قراقورم" عاصمة التتار في منغوليا للمشاركة في اختيار الخاقان التتري الجديد ..
وقفة للتحليل (سنة 639هـ وما بعدها):
أولاً: وصلت حدود دولة التتار في هذه السنة من كوريا شرقًا إلى بولندا غربًا، ومن سيبيريا شمالاً إلى بحر الصين جنوبًا وهو اتساع رهيب في وقت محدود .. وأصبحت قوة التتار في ذلك الوقت هي القوة الأولى في العالم بلا منازع ..
ثانيًا: تولى قيادة التتار بعد "أوجتاي" ابنه "كيوك بن أوجتاي" وقد كان لهذا الخاقان الجديد الرأي في تثبيت الأقدام في البلاد المفتوحة بدلاً من إضافة بلاد جديدة قد لا يقوى التتار على حفظ النظام فيها، والسيطرة على شعوبها وجيوشها, ومن ثم فقد توقفت الفتوحات التترية في عهد هذا الخاقان, وإن ظل التتار يحافظون على أملاكهم الواسعة.
ثالثًا: ابتلع التتار في فتوحاتهم السابقة النصف الشرقي للأمة الإسلامية, وضموا معظم الأقاليم الإسلامية في آسيا إلى دولتهم، وقضوا على كل مظاهر الحضارة في هذه المناطق، كما قضوا تمامًا على أي نوع من المقاومة في هذه المناطق الواسعة, وظل الوضع كذلك لسنوات كثيرة لاحقة ..
رابعًا: ظَلَّ القسم الأوسط من العالم الإسلامي والذي يبدأ من العراق إلى مصر مُفرَّقًا مشتتًا لا يكتفي فقط بمشاهدة الجيوش التترية وهي تسقط معظم ممالك العالم في وقتهم، وإنما انشغل أهله بالصراعات الداخلية فيما بينهم، وازداد تفككهم بصورة كبيرة ..
كذلك كان القسم الغربي من العالم الإسلامي الذي يضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وغرب إفريقيا .. كان هذا القسم مفككًا تمامًا بعد سقوط دولة الموحدين ..
خامسًا: ذاق الأوروبيون النصارى من ويلات التتار كما ذاق المسلمون من قبل، وذُبِحَ منهم الآلاف أو الملايين، ودُمرت كنائسهم، وأُحرقت مدنهم، بل هُدِّدوا تهديدًا حقيقيًا أن يصل التتار إلى عقر دار الكاثوليكية النصرانية في روما ..
سادسًا: ومع أن النصارى رأوا أفعال التتار إلا أن ملوك النصارى في أوروبا الغربية (فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا) كانوا يرون أن هذه مرحلة مؤقتة سوف تقف عند فترة من الفترات، أما حروب النصارى الصليبيين ضد المسلمين فهي حروب دائمة لا تنتهي .. ومن ثَمَّ فقد كان ملوك الصليبيين على استعداد كامل للتعاون مع التتار رغم كل الأعداد الهائلة التي قُتِلت منهم بدلاً من التعاون مع المسلمين ..
¥