روى الإمام مسلم رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " .... وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها ـ أو قال: من بين أقطارها ـ حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا" ..
فالمسلمون كانوا في تلك الآونة يهلك بعضهم بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا .. فلا عجب إن غلب عليهم جيش التتار أو غير التتار ..
الترف:
من المعلوم أن الترف انصراف عن المهمة الرئيسية للإنسان واتجاه نحو الملذات، وجمع المال، والتفاخر بالملك، وما ذُكِر أبدًا ترفٌ بخير، وكثرة المال ابتلاء من الله، فإما أن يحسن الإنسان بإنفاقه وصرفه في وجوه الخير، وطاعة الله، وإما في غير ما أمر الله، وقد ذُكر الترف في ثمانية مواضع في كتاب الله، تنصب كلها على الكافرين، والمجرمين، والفاسقين ..
يقول الله تعالى: [فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين] {هود: 116}.
[وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرنها تدميرًا] {الإسراء: 16} ..
[لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون]] {الأنبياء: 13}.
[وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون] (المؤمنون: 33) ..
[حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجئرون] (المؤمنون: 64) ..
[وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون].] (سبأ: 34) ..
[وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون] .. (الزخرف: 23) ..
[وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين] .. (الواقعة: 41ـ45) ..
ومآل الترف إلى الفساد، وضياع السلطة وانهيار الدولة، وزوال الأمة، وقد زال الأمويون عندما أصابهم الترف، ودالت دولة بني العباس عندما حَلَّ فيها الترف، وسقطت الأندلس بيد النصارى، وضاعت نهائيًا بعد أن انصرف السكان إلى الترف .. (2)
ترك الجهاد في سبيل الله:
وكنتيجة طبيعية للانغماس في الدنيا، والترف الزائد عن الحد ترك المسلمون الجهاد، فلم يفقه المسلمون أيام التتار ـ كما لم يفقه كثير من المسلمين في زماننا الآن ـ أن السبيل الأساسي لاستعادة حقوق المسلمين المنهوبة هو الجهاد ..
روى أبو داود وأحمد رحمه الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تبايعتم بالعينة (نوع من الربا)، وأخذتم أذناب البقر (العمل في الرعي المواشي)، ورضيتم بالزرع (أي رضيتم بالاشتغال بالزراعة، والمقصود عملتم في أعمال الدنيا أيًّا كانت في وقت الجهاد المتعين)، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" ..
لقد عمل أهل بغداد في الزراعة والتجارة والكتابة والصناعة بل وفي العلم والتعلم، وتركوا الجهاد في سبيل الله، فكان النتيجة الذل، وسقوط بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله بطريقة مخزية ما حدثت مع خليفة قبله، وما سمعنا بها مع أي من ملوك أو أمراء الأرض .. مسلمين أو غير مسلمين .. فقد أمر هولاكو أن يُقتَلَ الخليفة العباسي المستعصم بالله رفسًا بالأقدام .. !!
وبالفعل وُضِع الخليفة العباسي على الأرض، وبدأ التتار يرفسونه بأقدامهم، حتى فارقت روحه جسده ..
إهمال الإعداد المادي للحروب:
لقد اجتهد التتار في إعداد كل ما يمكنهم من النصر، سواء في ذلك الجنود أو السلاح أو تجهيز الطرق أو وضع الخطة أو الاهتمام بالأحلاف أو الحرب النفسية والخطط البديلة ..
لقد كان إعدادًا متميزًا حقًا ..
كل ذلك بينما كان المسلمون يعيشون في وادٍ آخر .. !!
¥