أُهمِلَت الجيوش الإسلامية وانحدر مستواها، ولم يهتم حاكم بتحديث سلاحه أو تدريب جنده .. لم توضع الخطة المناسبة ولم توجد المخابرات الدقيقة .. لقد تهاون المسلمون جدًا في إعدادهم، ورُتبت أولوياتهم بصورة مخزية، فبينما كانت الملايين تنفق على القصور وعلى الرخام وعلى الحدائق لم يُنفق شيء على الإعداد العسكري والعلمي والاقتصادي للبلاد وبينما قل ظهور النماذج المتفوقة في المجالات العلمية والقيادية والإدارية كثر ظهور المطربين والمطربات، والراقصين والراقصات، واللاهين واللاهيات!!
ولابد أن تهزم أمة كان إعدادها بهذه الصورة .. فأُمَّة الإسلام بغير إعداد لا تقوم .. وليس معنى أن يرتبط الناس بربهم ويعتمدوا عليه أن يهملوا المقومات المادية، والتجهيز البشري .. لابد أن يفقه المسلمون هذا الدرس جيدًا ..
الخطأ الذي ارتكبه محمد بن خوارزم شاه في قطع العلاقات بينه وبين الأقطار الإسلامية:
يقول ابن الأثير رحمه الله: "وكان محمد بن خوارزم شاه قد استولى على البلاد، وقتل ملوكها، وأفناهم، وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها، فلما انهزم من التتار لم يبق في البلاد من يمنعهم، ولا من يحميها" ..
في هذا النص تفسير واضح جلي لمدى المأساة التي كان يعيشها المسلمون في ذلك الوقت .. لقد كان محمد بن خوارزم شاه جيدًا في ذاته في إدارته، لكنه قطع كل العلاقات بينه وبين من حوله من الأقطار الإسلامية، لم يتعاون معها أبدًا، بل على العكس قاتلها الواحدة تلو الأخرى .. وكان يقتل ملوك هذه الأقطار ويضمها إلى مملكته، ولا شك أن هذا خلف أحقادًا كبيرة في قلوب سكان هذه البلاد، وهذا ليس من الحكمة في شيء انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يفتح البلاد، كان يولي زعماء هذه البلاد عليها ويحفظ لهم مكانتهم، ويُبقي لهم ملكهم، فيضمن بذلك ولاءهم وحب الناس له، فأبقى على حكم البحرين ملكها المنذر بن ساوى، وأبقى على حكم عمان ملكيها: جيفر وعباد، بل أبقى على اليمن واليها باذان بن سامان الفارسي عندما أسلم، وهكذا ..
هذه سياسة وحكمة في آنٍ واحد معًا، هذا مَزْج جميل بين الحزم بين الحب .. هذا أسلوب راقٍ في الإدارة ..
أما هنا في قصتنا فقد افتقد الزعيم محمد بن خوارزم شاه هذا الجمع الحكيم بين الحب والحزم .. وأصبح حاكمًا بقوته لا بحب الناس له، فلما احتاج إلى الناس لم يجدهم، ولما احتاج إلى الأعوان افتقر إليهم .. فلم تكن الصراعات بين الخلافة العباسية والدولة الخوارزمية فقط، بل قامت الدولة الخوارزمية نفسها على صراعات داخلية وخارجية، ومكائد كثيرة، ومؤامرات عديدة فلم تتوحد القلوب في هذه البلاد، ومن ثم لم تتوحد الصفوف ولم يحدث النصر .. وما كان النصر أن يتحقق والأمة على هذا النحو ..
[إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص] .. {الصف: 4} ..
وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيما رواه النسائي وأحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه: "عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية" .. أي يأكل الغنم القاصية ..
حب الدنيا وكراهية الموت:
روى أبو داود عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله علي وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل .. ولينزعنَّ اللهُ من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ اللهُ في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت" ..
لقد سيطر حب الدنيا على القلوب، وكره المسلمون الموت في سبيل الله، فأصبحوا كالغثاء الذي يحمله السيل .. إذا توجه السيل شرقًا شرَّقوا معه، وإذا توجه السيل غربًا غرَّبوا معه، لا رأي ولا هدف ولا طموح، ونزع الله عز وجل مهابة المسلمين من قلوب التتار، فما عادوا يكترثون بالأعداد الغفيرة، وألقى في قلوب المسلمين الوهن والضعف والخور حتى كانت أقدام المائة من المسلمين لا تقوى على حملهم إذا واجهوا تتريًا واحدًا!! ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
موالاة أعداء الأمة:
¥