ثم رجع جيش مندوجر إلى اجيجر و بقي بها خمسة أيام يجهز حملته على مناطق شلوبانية و المنكب و جبل واجر للقضاء على قوة من المجاهدين أعلاه تحت قيادة الزمار. ففي يوم 11 - 2 - 1569 م قام جيش مندوجر بثلاث هجمات لاحتلال ذلك الجبل الوعر, فقاومه المجاهدون في قلعة واجرش إلى ان هزموا, و قبض الإسبان على القائد الزمار و ابنته واقتادوه إلى غرناطة و قتلوه و مثلوا به شر تمثيل بعد أن عذبوه شر عذاب. و قتل جنود مندوجر كل من وقع بأيديهم من أهل المجاهدين, نساء و أطفالا و شيوخا, و انتشروا في البلدة يسرقون و ينهبون.
ملاحقة الإسبان لإبن أمية
و اعتقد مندوجر أن القضاء على الثورة أصبح وشيكا و أراد القبض على محمد بن امية. فلاحقه بجيشه على رؤوس الجبال, و قد علم من جواسيسه أن ابن امية يقضي الليل في بيت محمد بن عبو في بلدة مشينة. فهجم الجيش على بيت ابن عبو, لكن ابن أمية تمكن من الإفلات.
جيش من اللصوص و القتلة
و كان فراندو الغرمي, قائد المجاهدين في الجبهة الشرقية, قد عسكر في بلدة جسيقة على وادي أندرش. فتوجه جيش المركيز دي بلش على رأس جيش قوامه خمسة ألاف رجل و ثلاثمائة فارس, وصفهم المؤرخون الإسبان أنهم كانوا جميعا لصوصا و قتلة, لا يهمهم إلا السلب و النهب و إزهاق أرواح العزل. فوصل الجيش إلى جسيقة يوم 12 - 1 - 1569م و اشتبك في أكبر معركة له مع المجاهدين, اضطر فيها الثوار إلى الإنسحاب إلى أندرش. فلحقهم الجيش, لكن فرقة من المجاهدين اتجهت نحو ألمرية بقيادة ابن مكنون, و استقرت بضواحيها في بلدة فليش. فتحول نحوها جيش دي بلش خوفا على سقوط المرية في يد المسلمين. فاشتبك الجيش مع فرقة ابن مكنون في 18 - 1 - 1569م أرغمها على الإنسحاب بعد أن استبسلت في الدفاع على الحصن في معركة شارك فيها النساء و الأطفال. وقد قتل جيش دي بلش في هذه المعركة عدة ألاف من المسلمين و أسر نحو 2.000 من النساء و الأطفال و باعهم كعبيد, من بينهم إبن و أختان للقائد ابن مكنون. ثم اتجه الجيش نحو أندرش و أوهانش.
الوضع في نهاية 1569م
هكذا كان وضع الثورة الأندلسية في أواخر شهر فبراير عام 1569م: حرب غير كتكافئة, لا هوادة فيها, يدافع فيها المسلمون بأسلحة بالية دون تدريب عسكري مسبق ضد جيشين كبيرين لأقوى دولة أنذاك في أوروبا. و للتغلب على حرب العصابات التي مهر فيها المسلمون عمل جيش النصارى على قتل عائلاتهم من نساء و أطفال و سبيهم و بيعهم رقيقا في الأسواق. و لم ينج المسلمون الذين رفضوا الإنضمام إلى الثورة, كأهل غرناطة, من هذه المعاملة, إذ تابعهم النصارى النصارى بمضايقات لا حدود لها كانت أفظعها مذبحة سجن غرناطة.
مذبحة سجن غرناطة و الحكم على القتلى بعد موتهم
في مارس عام 1569م انتشرت إشاعات مفادها أن ابن أمية سيحتل غرناطة على رأس قوة من المجاهدين. فهجم حرس السجن في 17 - 3 - 1569م على السجناء يذبحونهم دون سابق إنذار, ثم فتحوا أبواب السجن لعامة النصارى, و مضوا الليل جميعا قتلا في المسلمين العزل حتى أتوا على ما لا يقل عت 150 سجينا من أعيان غرناطة الذي احتفظ بهم الإسبان رهائن للضغط على المجاهدين. و لم ينج من هذه المذبحة الشنيعة سوى والد محمد بن انية أنطونيو دي بالور و أخيه فرنسسكو. ثم بعد هذه المذبحة قامت محاكم التفتيش بالحكم على القتلى بمصادرة أموالهم.
انتفاضة سكان غرناطة بعد هذه الجريمة الصليبية
و لما علم أهل مملكة غرناطة بهذه الجريمة , ثاروا في عدة مدن, كطرش و عذرة, ضد الجيش و قتلوا عددا من الجنود و الضباط. بينما قضى جيشا دي مندوجر و دي بلش معظم شهر مارس في القتل و السلب و النهب, و شتتا المجاهدين على أعالي الجبال بعد ان كبدوا النصارى خسائر كبيرة في الأرواح. و مان مصير من استسلم من المجتهدين الغسترقاق. غير ان شراسة النصارى ضد المسلمين, المسالمين منهم و المحاربين, أدت بالمسلمين إلى تفضيل الموت في معركة الدفاع عن الدين و الشرف على الموت دون سبب, مما أذكى روح الجهاد من جديد.
الدعم الإسلامي و رسالة السلطان العثماني لأهل الأندلس
و لم يلتحق بالمجاهدين من الدول الإسلامية إلا بعض المتطوعة المغاربة و الجزائريين و الأتراك, و قليل من المال و العتاد من الجزائر. و هذا نص رسالة جوابية من السلطان سليم للمجاهدين الأندلسيين في هذه الفترة:
¥