ثم نظم ابن عبو جيشا, قوامه عشرة ألاف مجاهد, ثم اتجه بهم لحصار مدينة أرجبة و قلعتها أواخر شهر أكتوبر سنة 1569م, بعد محاولات فاشلة لاقتحام أسوارها. فطلب قائد حاميتها النجدة من خوان النمساوي في غرناطة, فأنجده بقوة تحت قيادة دوق دي سياسة. فلم تفلح هذه القوة في فك حصار المجاهدين الذين قطعوا الطريق إليها في لاجرون. فنجح المسلمون في تحرير أرجبة, ثم حرروا غليرةو و هي قلعة ذات موقع استراتيجي رفيع. فأتت من أشكر قوات مساندة لجيش دوق دي سياسة فهزمهم المجاهدون في معركة عنيفة.
و استتبت وحدة المجاهدين حول ابن عبو الذي انتشر سلطانه إلى مناطق مالقة و رندة و كثرت هجماته على مرج غرناطة. و في أوائل نوفمبر عام 1569م, حررت قوة من المجاهدين بقيادة خريمينو بن المليح حصن أرية بعد معركة عنيفة, إذ كانت حامية أرية النصرانية تغير على قرى المسلمين المجاورة لها, خاصة منتربة.
بعد انهزام الإسبان في معركة تونس أمام العثمانيين, الإسبان يركزون جهودهم على وأد الجهاد الأندلسي
وفي هذه الاثناء كانت المعارك مشتعلة بين الدولة العثمانية و إسبانيا على الشواطئ التونسية و الجزائرية. وفي 19 - 1 - 1570م أفلح أمير أمراء الجزائر, علي باشا, في تحرير مدينة تونس من يد الإسبان و القضاء على ما تبقى من الدولة الحفصية التي أصبحت تحت حماية الإسبان. لذا جمع ملك إسبانيا أقصى ما يمكن من قواته للقضاء على الثورة الأندلسية. فجهز ثلاثة جيوش: أكبرها تحت قيادة أخيه خوان النمساوي, و ثانيها تحت قيادة دوق دس سياسةو وثالثها تحت قيادة انطونيو دي لونا. و نجحت هذه الجيوش الثلاثة في أخذ المبادرة من يد المجاهدين, و قد تزعزعت وحدتهم بعد مقتل ابن أمية, وقلت الإمدادات التي كانت تصلهم. وقرر الملك حسم الموقف مهما كان الثمن خوفا من أن ينظم مسلمو بلنسية و مرسية إلى المجاهدين.
فأمر الملك في أواخر ديسمبر عام 1569م, جيش خوان النمساوي بالتحرك. فانطلق الجيش من غرناطة إلى حصن أبشر, ومنه إلى وادي أش, ووصل إلى بسطة في 29 - 12 - 1569م حيث أقام بضعة أيام لتنظيم خطته. ثم اتجه خوان النمساوي بقوة تعدادها 12.000 جندي إلى حصن غليرة, و احتل في طريقه من يد المسلمين حصن غولجر. و كان يدافع على غليرة حوالي 3.000 من المجاهدين , من بينهم فرقة من المتطوعين العثمانيين, وساهم في الدفاع عنها النساء الأندلسيات بأسلحتهن. و كان ماركيز دي بلش قد حاصر غليرة مدة طويلة, و عجز عن احتلالها فأقاله خوان النمساوي في ديسمبر عام 1569م.
حصار الصليبيين لغليرة و اقتحامهم لها و إبادتهم لأهلها
قاوم المدافعون عن غليرة جيش خوان النمساوي مقاومة عنيفة, و منعوه من اقتحام الحصن و البلدة. فحفر الجيش خندقا حول البلدة, و استعمل المدفعية ضد حصنها, ثم حاصرها حصارا طويلا تكبد فيه مئات القتلى و الجرحى. و في 10 - 2 - 1570م انهارت مقاومة المجاهدين و دخل الجيش البلدة في حمى جنونية من القتل و السلب. و امر خوان النمساوي بقتل جميع الأسرى من رجال و نساء و اطفال, قتل منهم 1.400 بحضوره, و خربت البلدةو و شتت الملح على أرضها.
مقتل دون كيخادا الصليبي
و في نفس الشهر توجه جيش خوان النمساوي شرقا, و زحف على بلدة صيرون, فتوجهت إليه قوة تعدادها حوالي ستة الاف مجاهد بقيادة الحبقي و ابن المليح. ووقعت معركة طاحنة حول البلدة, قتل فيها المجاهدون عددا كبيرا من الجنود و الضباط الإسبان على راسهم دون لويس كيخادا, مربي خوان النمساوي قائد الجيش, و كان يعده في رتبة والده, كما كان كيخادا صديقا مقربا للملك شارل الخامس. فهزم المجاهدون جيش خوان النمساوي و شتتوه و كادوا أن يقتلوا قائده.
استمرار الزحف الصليبي
ثم وصلت تعزيزات جديدة للجيش الإسباني فعاد إلى حصار صيرون, ونجح في 5 - 3 - 1570 م في اقتحام البلدة. فنجا الحبقي مع قلة من المجاهدين, بينما فشا القتل و السلب و النهب و الإسترقاق فيمن وقع في يد الجيش.
ثم توجه جيش دون خوان النمساوي غربا, فاحتل حصن نجولة و استرق فيه 400 طفل و امرأة, ودمره. ثم احتل على التوالي حصون برشانة و كنتورية و تهالي. و في أواخر أبريل وصل الجيش إلى سهل البدول بالبشرات, و انتطر قدوم جيش دوق دي سياسة.
¥