و تتابعت المفاوضات بين الإسبان و الحبقي عن طريق هرناندو برادة و ألونسو بنيغش. ثم اجتمع الحبقي مع مندوبي الملك عدة مرات. و في 13 - 5 - 1570م اقترح الحبقي على بنيغش في فندون أندرش شروط الإستسلام. فنقلها بنيغش إلى خوان النمساوي الذي جمع المجلس العسكري. فطلب المجلس أن يأتي الحبقي بتفويض من قادة المجاهدين بتمثيلهم. فعاد الحبقي إلى فوندون أندرش يوم 19 - 5 - 1570م بتفويض من ابن عبو, و تم الإتفاق مع ممثلي الإسبان على أن ذهب باسم ابن عبو و باقي قواد الجهاد إلى الأمير خوان النمساوي و يسلم إليه السلاح و العلم و يطلب الصفح و الرحمة. و بعد ذلك يعفو عنه الأمير باسم الملك, و يصدر العفو العام عن الأندلسيين, ويضمن لهم حياتهم و أملاكهم, و يؤمنهم من الإعتداء عليهم, و يسمح لهم بإقامة العلاقات الإجتماعية فيما بينهم من زواج إلى أخره ... و يرسل المحاربين المستسلمين مع نسائهم و أطفالهم إلى الأماكن التي تحدد لهم على أن تخلى جبال البشرات منهم. و قبل الحبقي الشروط جميعها.
و تنفيدا للإتفاق , تقدم الحبقي في 22 - 5 - 1570م على رأس 300 مجاهد إلى خيمة خوان النمساوي في أندرش, و سلمه سيفه و علم الإستسلام باسم عبو. فقبله الأمير, و أرجع له سيفه, و منحه الأمان بألا يتعدى عليه و لا يزعج و لا يلاحق و لا ينهب, و سمح للمستسلمين بالإقامة أينما أرادوا في مملكة غرناطة خارج البشرات.
ابن عبو ينكر على الحبقي موافقته على الإستسلام
ثم عاد الحبقي إلى ابن عبو ليخبره بما تم, و أرسل معه خوان النمساوي مندوبين لقبول الإستسلام من ابن عبو. فلما اطلع ابن عبو على الشروط التي وافق عليها الحبقي اتهمه بتجاوز التفويض الذي أعطاه إياه, و اتهمه بالغدر و الخيانة, إذ لم يحصل للأندلسيين على شيئ, كإلغاء قرارات التنصير و محو اللغة العربية. و فوق كل ذلك, وافق الحبقي على تهجير الأندلسيين من البشرات. فلم الجهاد؟ و لما التضحيات؟
السلطان ابن عبو يتهم الحبقي بالخيانة و يقوم بإعدامه
و في 25 - 5 - 1570م عاد الحبقي إلى معسكر خوان النمساوي و أخبره بمعارضة ابن عبو للإتفاقية, ثم اقترح عليه تنفيذها دون ابن عبو, و أن يأتي به موثوقا. فوافق خوان النمساوي, و أرسل في نفس الوقت ممثلا عنه إلى ابن عبو يوم 28 - 5 - 1570م يحاول إقناعه بالإستسلام, فلم يفلح. و ساند المتطوعون موقف ابن عبو, فعمل الحبقي على إرجاعهم إلى بلدانهم, وأخذ يروج للإستسلام. فتوجه على رأس قوة للقبض على ابن عبو, لكن المجاهدين هزموه و قبضوا عليه و سلموه موثوقا لابن عبو الذي اتهمه بالخيانة و أمر بإعدامه. فأعدم الحبقي و أخفي ابن عبوموته لمدة ثلاثين يوما. و تابع ابن عبو المفاوضات مع خوان النمساوي على شروط أفضل بواسطة هرناندو برادة, و تابع في نفس الوقت جهوده في إعادة بعث الثورة, فأرسل رسله إلى المناطق المختلفة يحثون الأندلسيين على متابعة الجهاد. وقد احتفظ التاريخ برسالة جوابية مؤثرة من ابن عبو إلى برادة بتاريخ 3 - 7 - 1570م, و هي بالدارجة الغرناطية, و هي أخر وثيقة عربية أتت من الأندلس, هذا نصها:
" الحمد لله وحده قبل الكلم, أسلم مكرمو على من كرمهو سيدي و حبيب و عز من عندي دن هرنتدو, و ني نعلم حرمتكم ين. أكن أنت تقول تجي عندي, تجي عند أخكم و حبيبك, و تجي مطمئن, و كل ميجكم فملي و ذيمتي. و كن أنت تريد تترطل فذى المبركم مين سلح, كل متعمل تعملو معي, و ني نعمل معك كل متريد بحق وبل غدر. و دهر لي من الحبقي بن أشمكن يعمل معلمن و لطلعن ي على حق. و ذهر لي يذ اسم للمطلب يرحو و ينسو و تسحبو و بعد رعي. و ديب أني نعرف حرمتك بهذا الشيئ و كرمتك, اعمل الذي يذهر لكم عمل ميسلح بصرر. و يذ و عسي يقذيا الله خير بينين, و تكن حرمتكم أسبب فهذا شيئ و محملن مفدتكم بل أش كن معي من يكتيلي يل كنكن كتبلكم أكثر. و سلم و عليكم و رحمتو الله و بركتو الله. كتيب الكتب يوم الثليث فشهر أليو فعم 70"
السلطان ابن عبو يرفض الإستسلام و لو ظل مجاهدا لوحده
و في 30 - 7 - 1570م أرسل خوان النمساوي مبعوثا ليتفاوض مع ابن عبو و عرض الإستسلام عليه مقابل عروض مغرية لشخصه. فأجاب ابن عبو بأنه يشهد الله أنه لا يرغب في الملك, و حيث إن الأمة الأندلسية انتخلته سلطانا
عليها فإنه لن يستسلم و لو ظل مجاهدا وحده في البشرات, و أن لديه ما يكفي من الغذاء و الماء لمدة ست سنوات, و إذا انتهت مؤونته فهو يفضل عبور البحر لأرض المسلمين على الإستسلام.
محاصرة الجيوش اللإسبانية لقوات بن عبو
و عندما رأى خوان النمساوي هذا الموقف من ابن عبو, و علم مقتل الحبقي, قرر إنهاء الثورة بالقوة. فحاول ابن عبو تنظيم المقاومة من جديد في البشرات و أرسل أخاه غالب إلى منطقة رندة لقيادة الجهاد فيها. بينما اتجه خوان النمساوي بقواته إلى وادي أش حيث التقى بقوات دوق دي سياسة. و خرج من غرناطة جيش ثالث بقيادة دوق دي ريطصانص في اتجاه البشرات. وسار جيش رابع بقيادة دوق دي أركش إلى بسائط رندة و جبالها فقضى على المجاهدين في تلك المنطقة في 20 - 9 - 1570م. و في نفس الشهر شن دون ريكصانص هجومه الشامل على البشرات, فقتل و حرق و حطم و أباد الشيوخ و الأطفال و النساء, ووزع على الجنود كعبيد من نجا من نساء و أطفال المسلمين من الموت.
ومن أفعاله الشنيعة إشعال النيران على مداخل الكهوف لخنق المختبئين فيها.
¥