كانت كذلك أم الحكم المستنصر بالله بن عبد الرحمان الناصر, أم ولد إسبانية الأصل إسمها مرجان. أما هشام المؤيد بالله بن الحكم فكانت أمه السيدة صبح أم ولد بشكنسية (16) , وكانت قد أنجبت للحكم المستنصر ولده عبد الرحمان الذي توفي طفلا, ثم أنجبت له ولده هشام في سنة 354ه. كذلك كانت أم المهدي محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمان الناصر أم ولد اسمها مزنة أو مونة (17). ومن بين أمهات خلفاء بني أمية في الأندلس, إسبانيات الأصل, ظبية أم سليمان المستعين (18) , و غاية أو غادة أم المستظهر (19) بالله و حوراء أم المستكفي بالله (20) و عاتب أم المعتد بالله (21).
أما المنصور محمد بن أبي عامر, فقد هابته ملوك النصرانية, ووادعته ابتغاء مرضاته و سلمه و منهم برموده الثاني ملك ليون الذي هادى المنصور بابنته تيريسا في سنة 382ه مبالغة في خطب وده, فتسرى بها المنصور ثم أعتقها و تزوجها (22). كما أهداه شانجة غرسية ملك بنبلونة, ابنته التي عرفت في المصادر العربية باسم عبدة بنت شانجة النصراني فتزوجها المنصور و حسن إسلامها, و أنجب منها ولده عبد الرحمان الملقب بشنجول تضغيرا لشانجة اسم جده (23) , الذي كان يشبه حفيده عبد الرحمان غاية الشبه. ولم يكن الزواج المختلط وقفا على العرب, فقد تابعهم في ذلك البربر. ومن الأمثلة الدالة على زواج كبار قادة البربر من سيدات و أميرات إسبانيا المسيحية, شأنهم في ذلك شأن العرب الفاتحين, زواج مونوسة القائد البربري الشهير و حاكم إقليم شرطانية في عصر الولاة (في طليعة القرن الثاني للهجرة) من أخت بلاي القوطي مرة, ومن مينين بنت إيوديس دوق أقطانية مرة أخرى, وإن كان جيشار يعتقد أن اسم مونوسة كان اسمالشخصين مختلفين و ليس لشخص واحد. (24).
ولم يقتصر الزواج المختلط في الأندلس على زواج القادة و الأمراء و الخلفاء المسلمين من نساء إسبانيا المسيحية, فقد تجاوز ذلك في ظروف خاصة إلى حد إقدام بعض حكام المسلمين في الأندلس من المولدين على تزويج بناتهم من ملوك و أمراء مسيحيين دون حرج, و ينحصر هذا الموع من الزيجات في أسرة بني قسي المولدين أصحاب الثغر الأعلى. و من أمثلة ذلك زواج أورية بنت موسى بن موسى بن فرتون ابن قسي أول ثوار هذه الأسرة على السلطة المركزية في عهد عبد الرحمان الأوسط من إبن غرسية ملك نبرة الذي أنجبت منه موسي بن غرسية (25). كما زوج موسى بن موسى بنتي أخيه لب من ولدي ونقة بن شانجة أحد أمراء البشكنس, وكذلك تزوجت أراكة بنت عبد الله بن محمد بن لب بن موسى بن موسى من فرويلة بن أذفونش ملك أشتورياس و ليون و أنجبت منه ولديه أردون و ردميره (26) و نضيف إلى هذه الأمثلة مثلا أخر هو زواج مطرف بن موسى بن موسى بن فرتون من فلشكيطة بنت شانجة ملك بنبلونة (27).
و يرجع السبب في عدم تحرج بني قسي من تزويج بناتهم من أمراء و ملوك مسيحيين فيما يبدو إلى أن بني قسي كانوا أكثر المولدين اعتزازا بأصولهم الإسبانية على حساب إيلامهم و كانوا يلتمسون في مصاهرة ملوك و أمراء إسبانيا المسيحية لهم, نوعا من التحالف ضد السلطة المركزية بقرطبة (28) , إذ كانوا دائمي الثورة على أمراء بني أمية, وكثيؤا ما خاضوامع قوات الإمارة معارك طاحنة. و على أية حال, كان الزواج المختلط ظاهرة شائعة في إسبانيا الإسلامية و المسيحية على السواء و تتمشى مع عادات هذه البلاد (29) , وإن كان زواج المسلمين من إسبانيات مسيحيات أكثر شيوعا من زواج مسلمات بمسيحيين لتحريم الإسلام ذلك النوع الأخير من الزواج. و أمثلة هذه الزيجات الأخيرة في المصادر العربية شحيحة للغاية: من ذلك زواج جميلة أخت محمود بن عبد الجبار المصمودي الثائر بماردة في سنة 214ه بعد وقوعها في أسر ملك جيليقية من أحد قوامسة, وقد أنجبت منه ولدا أصبح فيما بعد أسقفا لمدينة شانت ياقو (30) و منها زواج زايدة المسلمة, كنة المعتمد بن عباد ملك إشبيلية, في عصر دويلات الطوائف من ألفونسو السادس ملك قشتالة و ليون, وقد أنجبت منه ابنه الوحيد شانجة الذي لقي مصرعه في وقعة إقليش سنة 501 ه (31). و هناك مثل أخر لامرأة مسلمة هي بنت أحفاد المنصور بن أبي عامر من ولده عبد الله بن المنصور, تزوجت بمحض إرادتها من فارس مسيحي (32).
الهوامش
(1) السيد عبد العزيز سالم, "تاريخ المسلمين و أثارهم في الأندلس" ص128.
¥