[رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأسرى]
ـ[ريم صباح]ــــــــ[05 - 06 - 08, 01:27 ص]ـ
في الوقت الذي كانت فيه الحروب الجاهلية لا تعرف أيسر قواعد أخلاقيات الحرب، ظهر النبي – صلى الله عليه وسلم - بمبادئه العسكرية؛ ليشرِّع للعالمين تصوراً شاملاً لحقوق الأسرى في الإسلام.
وفي هذا العصر الحديث، الذي نرى فيه المنظمات الدولية قد شرَّعت بنوداً نظرية – غير مفعَّلة ولا مطبَّقة – لحقوق الأسرى، كاتفاقية جنيف، بشأن معاملة أسرى الحرب، ورعايتهم جسدياً ونفسياً.
وخير دليل على عدم تطبيق هذه الاتفاقيات، ما فعله الصرب بمسلمي البوسنة والهرسك وكوسوفا، من مذابح يندى لها جبين البشرية، ولقد أنشأ الصرب معسكراتٍ أُعدت خصيصى لاغتصاب المسلمات.
وما يفعله الصهاينة في فلسطين، وما فعله الأمريكان في العراق وأفغانستان والسودان والصومال من فساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل، ومذابح جماعية للأسرى والضعفاء، وهتكٍ للأعراض الطاهرة، في معتقلات – سرية أو علنية - لا تعرف أي معنى لكرامة الإنسان.
في حين نرى رسولنا – صلى الله عليه وسلم - يشرِّع قبل هذه المنظمات بمئات السنين حقوقاً شاملة وجامعة للأسرى، أضف إلى ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يجعل هذه الحقوق بنوداً نظرية بعيدة عن واقع الحروب – كما هو الحال في عصرنا - بل جعلها منهجاً عملياً، وطبقها بنفسه في غزواته، وطبقها الصحابة والتابعون - من بعدهم - في السرايا والمعارك الإسلامية.
إن في إكرام النبي – صلى الله عليه وسلم - للأسرى، مظهراً فريداً من مظاهر الرحمة، في وقت كانت تُستَباح فيه الحرمات والأعراض.
"وكثيراً ما أطلق - صلى الله عليه وسلم - سراح الأسرى في سماحة بالغة، برغم أن عددهم بلغ في بعض الأحيان ستة آلاف أسير" [1] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=63&ArticleID=547#_ftn1_ftn1).
يقول لويس سيديو: "والكل يعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - رفض - بعد غزوة بدر- رأْيَ عمر بن الخطاب في قتل الأسرى، وأنه صفح عن قاتل عمِّه حمزة، وأنه لم يرفض - قط - ما طُلب إليه من اللطف والسماح" [2] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=63&ArticleID=547#_ftn2_ftn2).
نماذج في معركة بدر (17 رمضان 2هـ)
لقد استشار النبي - صلى الله عليه وسلم – وزراءه من الصحابة في أُسارى بدر؛ فأشار عليه أبو بكر - رضي الله عنه - أن يأخذ منهم فدية؛ فهم بنو العم، والعفو عنهم أحسن، ولعل الله أن يهديهم إلى الإسلام، وقال عمر - رضي الله عنه -: "لا، والله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها".
فهوى النبي – صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قال عمر، فلما كان من الغد أقبل عمر؛ فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبكى هو وأبو بكر؛ فقال عمر: "يا رسول الله، من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؛ فإن وجدت بكاء، بكيت، وإن لم أجد بكاء، تباكيت؛ لبكائكما؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء؛ لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة"، وأنزل الله – تعالى - قوله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67].
وقد تكلم العلماء في أي الرأيين كان أصوب؛ فرَجَّحَت طائفة قول عمر؛ لهذا الحديث، ورجحت طائفة قول أبي بكر؛ لاستقرار الأمر عليه، وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم، ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب، ولتشبيه النبي – صلى الله عليه وسلم – لأبي بكر في ذلك بإبراهيم وعيسى، وتشبيهه لعمر بنوح وموسى، ولحصول الخير العظيم، الذي حصل بإسلام أكثر أولئك الأسرى، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين، ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء، ولموافقة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر أولاً، ولموافقة الله له آخراً؛ حيث استقر الأمر على رأيه، ولكمال نظر الصديق؛ فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخراً، وغلَّب جانب الرحمة على جانب العقوبة [3] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=63&ArticleID=547#_ftn3_ftn3).
¥