تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأصبحت الطرق الصوفية البدعية، بكل سلبياتها وشطحاتها وطقوسها وشعائرها الغبية، تسيطر على مجمل الحياة العامة في سائر الولايات العثمانية، وأصبحت السلطنة أو دولة الخلافة العثمانية – سمها ما شئت - عاجزة عن تحقيق الأهداف العليا للأمة التي كانت هي الأساس لشرعية السلطان والخلافة العثمانية في نظر المسلمين. والأهداف هي: الجهاد، والدعوة، وحماية دار الإسلام، والحفاظ على الوحدة الداخلية، والحيلولة دون الفتنة. الأمر الذي جعل شرعية الخلافة العثمانية في محل شك، لاسيما بعد أن تحقق عجز العثمانيين عن حماية الدار بسقوط مصر في أيدي الفرنسيين عام 1798.

أما على الخط الحضاري – كما يقول الدكتور شاكر مصطفى - فقد كان الوضع أسوأ بكثير. ضرب الحصار العثماني طوقاً من الجمود على الإمبراطورية باسم الدفاع عن الإسلام. وخنق بذلك كل مبادرة للتطلع خارج هذا الطوق. وانعدم الوعي التاريخي لدى السلاطين والناس. وماتت أفكار التحدي والجهاد وصار الآخر هو العدو المريب (4)

"ولم يكن الجمود العلمي والكلال الفكري مقتصرين على تركيا وأوساطها العلمية والدينية فحسب، بل كان العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه مصابا بالجدب العلمي، وشبه شللٍ فكري، قد أخذه الإعياء والفتور، واستولى عليه النعاس (5)

ومعنى ذلك أن الدعوة السلفية الإصلاحية في جزيرة قد جاءت في وقتها، وكانت تعبيرا عن إرادة حرة إسلامية صادقة ونزيهة، وبدافع الغيرة على الدين وإصلاح حال المسلمين، ولتغيير واقع مزري وقاتم، وتهيئة المجال لحياة عزيزة كريمة أفضل، وأنها كانت ضرورة ليس فقط لتجديد ما أندرس من معالم الدين، وتنقية العقيدة من الشوائب الشركية التي علقت بها، وإنما أيضا ضرورية لإيقاظ المسلمين من السبات العميق، استعدادا لما يحيط بهم من تحديات، ولمواجهة الموقف الناشئ عن ضعف الدولة العثمانية، والذي قد يترتب عليه إمكانية سقوطها في أي وقت.

يقول الدكتور شاكر مصطفى: "لم يعد للتاريخ العربي في الفترة العثمانية التي دامت 400 سنة من وجود. اندمج هذا التاريخ مع التاريخ العثماني لأول مرة. وكانت البلاد العربية مستعدة دينياً لمثل هذا الإلحاق. الجو الديني لم يترك فيها منفذاً للشعور بالذات العربية الخاصة، فالدين الإسلامي هو الجامع للبشر. وما دامت الدولة العثمانية تدافع عن الدين في فتراتها الأولى فهي تدافع أيضاً عن البلاد العربية في الوقت نفسه. نصرها كانوا يعتبرونه نصراً لهم, فلما ضعفت وبدأت الأطماع الاستعمارية تتناوشها، عاد العرب يفكرون في مصائرهم من جديد. عادوا يوقظون مثلهم العليا السابقة، وهي ليست إلا مثلاً دينية. وهكذا ظهرت أوائل حركات اليقظة حاملة شعار العودة إلى الإسلام. ظهرت الحركة الحنبلية الوهابية في نجد، والحركة السنوسية في المغارب وليبيا، ثم الحركة المهدية في السودان. وكانت حركات على الأطراف. ما اهتمت القسطنطينية بالبعيد منها كحركة أحمد بك والحاج عمر في شرق إفريقيا، وإن حرصت على محاربة القريب منها "أتباع محمد بن عبد الوهاب " لأسباب سياسية، وحاربت حركة فخر الدين المعني "المتصلة بأوربا" في الشام. " (6)

وليس ذلك فحسب، إنما بلغت الاستهانة بالدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، أن أعداءها من القوى الأوروبية، لم يعودوا يكترثون من أجل القضاء عليها، لأنها أصبحت بنظرهم أحد الأطراف في لعبة التوازن الدولي.

سر محاربة العثمانيين للدعوة السلفية

ومع أن الدولة العثمانية أثناء ظهور الدعوة السلفية في شبه جزيرة العرب، كانت عمليا في غرفة الإنعاش، وفي حالة جمود فكري وركود اقتصادي، وفي قمة العجز والخنوع السياسي، مع فقدان أي قوة ذاتية للدفاع، وانعدام الوعي التاريخي لدى السلاطين، وموت أفكار التحدي والجهاد. فقد كان طبيعيا أن يظل السلاطين العثمانيون يتظاهرون بزعامة المسلمين، ويتشبثون بمظاهر الخلافة وألقابها إلى آخر رمق، إذ كان من الصعب عليهم أن يسلموا بانتهاء دورهم ويحكموا على دولتهم بالوفاة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير