تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا إضافة إلى الدور البريطاني في التحريض على الدعوة السلفية " وكانت انجلترا ومستشرقوها ما فتئت تخوف الدولة التركية وتؤلبها على مهد (اليقظة) في جزيرة العرب .. واستجابت دار الخلافة بغفلتها إلى هذا التأليب حتى جردت حملات متتابعة لقمع (اليقظة) الوهابية، وآبت في جميعها بالإخفاق، ثم منذ ولي (محمد علي سرششمة) جعلت تركية) تدعوه إلى تجريد جيوشه لقتال الوهابيين، وتتابع هذا الطلب من سنة 1807 إلى سنة 1810 (1222 - 1225هـ)، فلم يستجيب لنداء تركية، ولكن الاستشراق بقناصله زين أخيرا لمحمد علي سرششمة أن يستجيب ليحقق مأربه في وأد (اليقظة) التي كادت تعم جزيرة العرب، وأمدوه بالسلاح الذي يعينه على خوض الحرب، وذلك في سنة 1226هـ/1811م (أي بعد ولايته على مصر بست سنوات) (8)

محمد علي والحرب على الدعوة السلفية

وأيا كان الأمر فإن المهم هو أن السلطان العثماني الشقي محمود الثاني، كلف محمد علي باشا، والي مصر بمهاجمة الدولة السعودية الفتية وإجهاض الدعوة السلفية وخنقها .. هذا الأخير الذي فكر وقدر، ثم تولى كبره، فشن حربا لا هوادة فيها ضد الدعوة السلفية التجديدية، وجهز الحملة تلو الحملة للقضاء عليها، وأجلب عليها بالرعاع، وشذاذ الآفاق، والجنود المرتزقة من الأرناءوط والجركس والأرمن والترك، والبدو الجفاة، الذين حشدهم من كل فجٍ عميق، إلى جانب الآلاف من الفلاحين المصرين الذين أقحموا في هذه الحرب العدوانية الظالمة، وكان كثيرا منهم وقودا لها دون أن يكن لهم فيها ناقة أو بعير.

وقد سخر محمد علي باشا للحرب على الدعوة السلفية، إمكانات مصر وبلاد الشام، مع الدعم غير المحدود من دولة الخلافة. وهي " الحرب التي لم تنته إلا بعد ثمان سنوات، في 1235هـ/1819م وفقدت الجيوش المصرية آلافا من أبنائها، ولقيت هزائم كادت تودي بها. وأخيرا تم النصر لمحمد علي سرششمة، بعد أن أرتكب من الفظائع ما لا يستحمله مسلم، واستباح الديار والأموال والنساء، وهدم المدن، فكان هو وابنه إبراهيم وسائر أولاده طغاة من شر الطغاة، وكانت حربا طاحنة لا معنى لها، ولا ينتفع بها إلا مؤججوها من (دعاة المسيحية الشمالية) (9)

وكان الشعار الذي شنت تحته تلك الحرب العدوانية الظالمة على الدعوة السلفية الفتية، هو " شق الصف والخروج على دولة الخلافة" واستطاعوا من خلال وصمها بهذا الوصف، التضليل على كثير من المسلمين والتغرير بهم وذر الرماد في عيونهم، وهي تهمة سخيفة كاذبة، ودعوى متهافتة ساقطة، ولا أساس لها من الصحة، فإن بلاد نجد لم تخضع يوما للدولة العثمانية حتى وهي في أوج عزها وسلطانها في القرن السادس عشر. فكيف سيكون ذلك في القرن الثامن عشر، وقد أصبح الأعداء يطلقون عليها اسم " الرجل المريض"؟ وقد تحدثنا في الجزء الأول عن الأوضاع الدينية والسياسية في نجد أثناء ظهور الدعوة السلفية.

والمهم أن محمد علي باشا أستطاع استرداد الحجاز بما فيها مكة والمدينة والحرمين الشريفين، بل وابعد النجعة في محاربة الدعوة السلفية، فزحفت قوته بقيادة ابنه إبراهيم باشا على الدرعية عاصمة نجد، وتم تسويتها بالأرض بطريقة غادرة ماكرة، جسدت الخيانة ونقض العهد بصورة واضحة، وذلك في ذي القعدة 1233هـ/ سبتمبر1818م.

وبهذا تمكن محمد علي باشا من إجهاض مشروع الدولة السعودية، والدعوة الإصلاحية السلفية، وعزله في حدود الصحراء العربية. وقدم بذلك خدمة لا نظير لها للدول الغربية الاستعمارية التي كانت قد ارتاعت من هذه الحركة التوحيدية الفتية التي كانت ترفع راية الجهاد ضد الغزاة، لا سيما بريطانيا العظمى التي كانت تخطط لبسط نفوذها على شبه الجزيرة العربية والخليج العربي بهدف التحكم في الطريقين البحريين الرئيسيين إلى الهند.

وأما الدعوة السلفية، في حد ذاتها فلم يستطع القضاء عليها، لأنها كانت قد تأصلت في القلوب وباتت جزءا لا يتجزأ من الواقع في جزيرة العرب، كما أنها كانت قد انتشرت لا سيما لدى الخاصة من العلماء والدعاة، في أنحاء عدة من بلاد العالم الإسلامي مثل المغرب والهند ومصر واليمن وغيرها.

فهل يا ترى حقق محمد علي للدولة العثمانية ما كانت تأمل؟ وهل قويت الخلافة العثمانية وعادت لها هيبتها، بخنق الدعوة السلفية الإصلاحية والقضاء على مشروعها الإسلامي للنهضة؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير