تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تقرأ في الفارياق (الساق على الساق ج1، ص 53، 66) نقدأً لاذعاً وتهكماً ساخراً بمؤلفي النحو ومعلميه، وحركات الإعراب، وتمسك النحاة بها، حتى يعبر عن مشاكل النحاة وعراقيلهم التي لا تنتهي بقوله صرت أعتقد بخلود النفس لأن مبهمات النحو الخالدة!! أليس هذا ما يعالجه اليوم معلمو زماننا حاسبين أنهم اخترعوا البارود. وكذلك فعل بعلم البيان و البديع، فمضى يسخر من أنواع الاستعارة، وظل يفعل حتى شبع، وأخيراً شبهها بأشكال الدرج فقال: ومنها القرقي و اللولبي و الحلزوني، إلخ. حتى قال في علل النحاة: ومات الأصمعي وفي عنقه من رسم الهمزة غدة. ثم يهزأ بتمسك بعض البيانيين بالحروف فيقولون: (الواو) هنا أفصح من (الفاء) و (أو) أفصح من (أم) وهلم جراً. ويهاجم الساجعين المنمقين الذين يتلاهون عن الحقيقة باستعارة أو كناية أو تصور غريب، فيقول كلمة عن المؤبنين:

((المصاب ينتحب ويولول، والمؤلف يسجع ويجنس، ويرصع ويروي، ويستطرد ويلتفت، ويتناول المعاني البديعة، فيمد يده تارة إلى الشمس، وتارة إلى النجوم، ويحاول إنزالها من أوج سمائها إلى السافل)). ويقول في مكان آخر: ((نقضي ساعة تامة في شرح جملة غير تامة)). ثم يقول: أكثر الكتاب يتهوسون في إهداء السلام والتحيات للمخاطب، كأنهم مهدون إليه عرش بلقيس. وكقوله للطبيب الذي عالجه علاجاً عنيفاً: أنا صاحب جثتي أفلا تشاورني! وكقوله عن الإنجليزية التي دعاه زوجها إلى العشاء عنده، وهرب من وجهه ولم يعشه: تسار بناتها كأنما نزل بهن نكبة البرامكة. ولست أذكر لك شيئاً عن تهكمه بفئة معلومة من الناس، فاقرأه أنت في محله.

إن المتمشرق الذي قال للأستاذ زكي مبارك في النثر الفني: الأدب العربي رواسم - كليشيهات – مصيب جداً، ولكنه بلا شك لم يقرأ الشدياق ليعلم أن فينا من خرج من الصيرة.ولو عرف صاحب لسان العرب أن الدهر سيلد لنا واحداً كالشدياق لما تجرأ أن يقول لنا: خذوا لغتكم من أعجمي فقد كشف الفارياق عورة هؤلاء العجم وفضحهم.

وقصارى القول كان المعلم جاحظياً نواسياً في فارياقه، بطوطياً في واسطته وكشف مخباه، متنبئياً في مدحه، خليلياً في لغوياته ونحوه: وقد صدقت الإجبسيان غازت حين قالت: إذا وضعت الكتبة الإنجليزية سكيت وأمرسون وواردزورت ووايلكلف وبلويز في شخصية واحدة يمكنك حينئذ أن تتصور عظمة هذا الرجل. ولو ولد الشدياق في أوربا لدفن مع نخبة العظماء، ولنصبت له التماثيل في مدن بلاده.

إن أحمد فارس ضخم مختوم كقبره، يمر به الناس ولا يعرفونه، وهو العارف بكل شيء، وهو مثال العربي المثقف الكامل في القرن التاسع عشر. لا تقرأ كتبه من عنوانها، فالجديد يقفز من بين سطورها قفز الأطلاء من دار خولة بالرقمتين. إن أحمد فارس كجبال لبنان، في كل قرنة معنى خاص، وفي كل واد صورة جديدة، فعليك به كله، فهو للقديم متجر، وللجديد مكسب.

الأديب المترجم:

استعانت به جمعية التوراة فوقف على ترجمتها التي أعجبت العلامة المطران يوسف الدبس، أما الشدياق فكان غير راض عن هذه الترجمة، لأنه يكره الركاكة التي نعت بها رجال الدين في فارياقه.

وها نحن نفسح له المجال ليدافع عن نفسه، ويلقي التبعة على الدكتور ((لي)):

وفي مثل قولنا ((ضرب لهم مثلاً)) كان يبدل ضرب بقال، لأنه كان يترجم في عقله لفظ ضرب إلى لغته فلا يجد لها معنى سوى إيصال الألم. وكان يبدل ((علم اعتقادهم)) برأي اعتقادهم، ويزعم أنها أبلغ في المعنى، وأن الاعتقاد ليس بمرادف للإيمان، فإنه إنما ينظر إلى أصل اشتقاقه وهو العقد، وهو غير مفيد معنى الإيمان. وكان يبدل ((ماء البحر)) بمياه البحر، وهذا لا محظور منه إلا أن تبديله هوس .. وكان يزعم أن لفظة ((المعجزات)) ليست من كلام النصارى حتى وجدناها في نسخة رومية. ومن أشد وساوسه تجنبه السجع و التركيب الفصيح غاية ما أمكن، حتى إنه زعم أن ما في الترجمة من قوله:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير