فليعلمن أن المنتصرين للجوائب أكثر من المنتصرين للجنان و اليازجي. وأن هذه المناقشة لا تلبث أن تغري بعض الأدباء بتخطئة مقامات الشيخ ناصيف من أوّلها إلى آخرها [كما فعل الشيخ يوسف الأسير في كتابه إرشاد الورى إلى جوف الفرا].
عَجباً لمجترئٍ عليَّ وما له عند البراز سوى عناد هرائهِ
فكأنه الظربان معتمداً على دفع المُلمّ به بريح فسائه
[الجوائب، العدد 538 (30/ 8/1871)، ص 1 - 2].
-
رد الشيخ إبراهيم اليازجي على أحمد أفندي فارس الشدياق
الجنان، السنة 2، الجزء 21 (1/ 11/1871) ص 732 - 740
شبلي: الشدياق و اليازجي، ص 83 - 97
قد علم الأكثرون ما وقع بيني وبين أحمد أفندي فارس الشدياق، بسبب ما أورده في صحيفة الجوائب من الاعتراض على أبي، رحمه الله، في مسألة الفِحَطْل و المرابض،وما أجبته به غذ ذاك في الجزء الثاني عشر من صحيفة الجنان. فكأنما أوغر ذلك صدره وكبُر عليه أمر تخطئتي له في ما اعترض به وتنبيهي على بعض ما رأيته من الخطأ في كتابه سر الليال مما أوردته في ردّي المشار إليه. فأخذ من العيد و التنديد مرة بعد الأخرى حتى ورد منه الجواب في العدد 538 من صحيفته المذكورة، وإذا به عدل إلى المسافهة و المهاترة وصرّح بما لا يليق ذكره. فعجبت أو ما عجبت من ارتكابه هذه الخطة المنكرة لأننا كنا في أول الأمر قد دخلنا من باب المناظرة الأدبية ولم نكن في شيء من قصد المهاجاة و المشاتمة ولا كان عندي أنه إذا دعت الحال إلى مثل هذا يتنازل إلى المواطأة عليه ويرضى به لنفسه.
ولقد كنت أحسب أن تمادي الأيام قد حان له أن يهذب من أخلاقه ويمكّن عنده أسباب الحلم و الدماثة و الصبر على المكروه أكثر مما أرى من نفسه هذه المرة. فإذا دمه لم يزل على حرارته المعهودة أيام كانت تلك النار تُقرى بفحم الشباب، فكأنما كان ثلج المشيب أدعى إلى المبالغة في إيقادها فما زاد على أن أثار شواظها فإذا هو هي.
وقد علمت َ أنني لم أكن مبادئاَ له في هذه المناقشة ولا سبق بيني وبينه عهدٌ في أمر من الأمور إنما كان هو المتدني المعتدي، ولا سيما أنه ألمّ بأبي المرحوم وخطّأه عَبَثاً فلم يكن يسعني و الحالة هذه إلاّ ردّة وفاء بحق من أنا مندوب في كل شرع أن أرادأ عنه كل عابثٍ بحقه. وبالتالي إظهاراً للحقيقة التي لا أحسب أني أكون معذوراً إذا سكت عن إبرازها – مع معرفتي لها وعدم تمكني من الإغضاء عنها كما لا يخفى.
وكنت أود لو استمرت هذه المناقشة مجردةّ إلى البحث في المسائل الأدبية و الحقائق العلمية دون ما يُسمع كل يوم من غلمان الأزقة وسفهاء الناس وأجلافهم السفلة. ولو كان في ذلك فضل لكان الفضل لمثل هؤلاء لأن فيهم من له اليد الطولى في هذا الباب. و لعمري هذا ما طالما أشرت إليه في ردّي السابق وعرّضت في غير موضع بحب اجتناب هذا الرجل حذر انبعاثه عليّ بمثله سامحه الله. على أنه لو شاء أن يقابلني بأحسن منه لكان أقدر عليه وكان أجمل به. وما أخاله يجهل أن من يبذل نفسه في مجال كهذا إنما يتعرض لأن يشرب بلكأس التي عاطى بها، فهل يسوغ عنده ذلك. ولئن ساغ عنده، ما فعلت أبداً، وأبى الله أن أجري إلا على ما أدّبتُ عليه من الرزانة و النزاهة.
ولعمري ما كنت لأقتحم موقفاً كهذا أكون فيه عرضة لملامة الحليم وهزء السفيه. وبناء على ذلك كان الأولى أن أقتصر عن الإجابة، لأن المناظرة من شرطها التكافؤ بين الجانبين، ولا تكافؤ بيننا لرجحانه عليّ بهذا المعنى. ولكن لئلا تُتَوهّم بي ظِنّ’ القصور لم أجد بداً من أن أجيبه هذه المرّة مقتصراً على ما نحن في شأنه أو ما هو من شأننا وأخلصه رداً علمياً كما يليق بالأديب المهذّب، أو بالأولى بالشيخ الكامل وليكن آخر ما يصدر قِبَلي في هذا الباب.
فأقول:
¥