تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مما أنكره عليّ صاحب الجوائب قولي في الرد السابق: ((ولا أدري ما ضرَّه عدم التصريح باسمه وليس في القصيدة مدحٌ له إنما هي حكمٌ وأمثال)) إلى آخره. فزعم أن أبي ن رحمه الله، صرَّح بمدحه في قصيدته الهمزية و القصيدة العاطلة اللتين ذكرهما قبل قصيدة التعزية هذه وأني أغفلتهما واقتصرت عليها مواربة وتمويهاً. ولعمري ما أظن أحداً له أدنى إلمام بفهم المعاني يلتبس عليه مثل هذا ويحتمل عنده نزاعاً. وأعجب كيف فاته إدراك ما كتبه بيده حتى جاء الآن بهذا الاعتراض وحاول أن يتعسّف بنفسه وبي إلى هذه الغاية. ولا بد ّ قبل أن أجيبه عن كلامه هذا أن أورد نصّه الذي نحن في صدده لينظر فيه أولو البصيرة فلعل هناك ما لم أكاشف به من أسرار المعاني. وهو هذا بحروفه قال: ((ولما كنت في مالطة جرت بيننا مراسلات أدبية فأرسل إليّ قصيدة من الجناس العاطل مطلعها:

لأهل الدهر آمالٌ طولُ وأطماعٌ ولو طال المطالُ

وهي مطبوعة في أول جزءٍ من ديوانه صفحة 22 وأجابني أيضاً عن قصيدة بأبيات مطلعها:

هوى في القلب يعذُب وهو داء كذا الدنيا وما فيها رياءُ

وهي في صفحة 25 وفيها يقول:

تقطعت الزيارة منك عنا إلى أن كاد ينقطع الرجاءُ

لم يكُ بيننا نارٌ ولكن تعرّض بيننا كالنار ماء

وهو كلامٌ في غاية الرقّة. ثُم أرسل إليّ قصيدة أخرى عنوانها: وقال يعزّي صديقاً له بأنسباء له قد توفوا، بعث بها إليه في بلاد المغرب:

لا تبك ميتاً ولا تفرح بمولود فالميت للدود و المولود للدود

وهي في الصفحة 29. ولا أدري ما منه من التصريح باسمي مع صفاء الحب بيننا انتهى.

فقد رأيت أنه ذكر القصيدة العاطلة و القصيدة الهمزية ولم يورد هناك ما يُشعر بأنه صرح باسمه أو لم يصرح باسمه به أصلاً حتى انتهى إلى قصيدة التعزية فأورد عنوانها ثم قفّى على أثره بالاعتراض. فهل يتأتى و الحالة هذه أن يكون المراد بقوله: ولا أدري ما منعه من التصريح باسمي، إلا العنوان المذكور. وهل الإشارة بذلك إلا قوله فيه يعزي صديقاً له؟ فما باله جاء يقول الآن أن أبي صرّح بمدحه في القصيدة الهمزية و القصيدة العاطلة. وأين هما ممن نحن فيه؟ وقد أعجبني بعد كل ذلك قوله: ((فهل ذلك إلا من العمى أو التعامي)). فتأمل واحكم والله خير الحاكمين.

ثم ما لبث أن كذّب قولي أن الفِحَطْل غلط طبع واستدل على ذلك بورود المطل بعدها يعني وقوع كل واحدة منهما فاصلة. فما أدري كيف ورود المطل بعدها أوجب عنده تأخير الطاء كأنه لا يجيز أن تكون إحدى الفاصلتين المطل و الأخرى الفِطَحْل، مع أن الفِحَطْل على رويٍ واحدٍ ووزن ٍ واحدٍ أيضاً، وماذا تقتضي الفاصلة غير ذلك. ولعله يحسب التزام حرفٍ قبل الروي من الأمور الواجبة في السجع ولذلك لم يُجز مع المطل إلا الفِحَطْل. و الصحيح أن ذلك جناس من البديع يسمّونه التزام ما لا يلزم وفي تسميته أكبر دليل.وقد تصفحت في سجعه فلم أجده يلتزم ذلك. وإذا كان في ريب من علمه ففي القرآن وفي مقامات الحريري وغيرها من أفصح الكتب المفصّلة ما يأتيه بالبرهان الفاصل ويتكفل بجلاء المسألة بأوضح بيان.

ثم اعترض على قولي: أما وجه الانتقاد على اللفظة المذكورة فهو أن ((الحاء)) منها مقدّمة على ((الطاء)) في الواقع و الحق العكس، إلى آخره. قال: ((فقوله في الواقع. صوابه في المقامات فإن الواقع هو تقديم ((الطاء)) على ((الحاء)) انتهى. ولم يبين وجه اعتراضه ولا أدري ما عنّ له. و الظاهر من عبارته، أنه توهّم في لفظة الواقع معنى الصواب أو الصحيح فأنكرها وحسبك بهذا دليلاً على إمعانه في اللغة. لله درّه.

ومن ذلك قوله: ((فزعم أنه يلزمني أن أقول وفَطْحَل بفتح ((الفاء)) وسكون ((الطاء)) وفتح ((الحاء)) لأنه يقول إن قرائن كلامي لا تقتضي بقاء ما سوى ((الفاء)) على حاله)) إلى آخره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير