تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم العجب سابعاً من ذلك العلامة الذي يعلم سر الحرف كيف أنه خفي عليه باطن رزق الله الفاسد وما تسول إليه نفسه من تحدي القرآن الشريف في كتابه النفثات. وكيف أنه عمل على إفساد لغتنا الشريفة التي لولاها لم يكن لبني آدم هدى ولا رشاد ولا صلاح في المعاش والمعاد. فقد غير أساليبها وانتهك حرمة صيغها ولم يبال بما وضعه لها الواضع. فنراه يسكن المتحرك من ألفاظها ويحرك الساكن ويزيد فيها وينقص منها كيف شاء. وهي لعمري جريرة يعاقب عليها كجريرة السرقة من بيت المسلمين. ألا لعن الله كل من حاول أن يغير شيئاً من أوضاع اللغة العربية ودمر بيته وأيتم أولاده وقطع أسباب معاشه. فإن سبحانه وتعالى رضي بأن يكون كلامه القديم مبلغاً بها، وجميع الأحكام الدينية والعلوم الدنياوية قد أودعت فيها. وهي كانت الوسيلة في تمدين العالم وإصلاح بني آدم. فكل من تعمد تغييرها وتبديل شيء منها فقد وجب على زعماء الأمة تنكيله وتعذيبه. وإنما قلنا تمدين العالم لأنه من المعلوم أن التمدن الذي وصل إلى بلاد أوروبا لم يكن إلا بواسطة اللغة العربية. وسواء قلنا إن العرب هم الذين أحدثوا علم الحساب وسائر العلوم الرياضية، أو كانوا قد عربوها من لغات أخرى كما يزعم بعض،فوصول هذه الفوائد إلى أوروبا لم يكن إلا بواسطة لغتنا. فمن ثم يحق لنا أن نقول إنها هي سبب في إصلاح الأمور المعاشية والمعادية معاً. فهل يتأى والحالة هذه لحر مسلم أن يغضي النظر عمن يقصد إفساد أمور دنياه وآخراً عامداً متعمداً؟ بل هي يتأتى لأحد من النصارى العارفين بأساليب اللغة العربية كالشيخ ناصيف اليازجي ومن حذا حذوه أن يتحمل تشدق رزق الله وتبلتعه فيما جاء به نظماً ونثراً: لا جرم أن من لم يغر على هذه اللغة المصونة فما هو بذي غيرة على دينه ولا على إمرأته، ولا سيما إن هذا السفيه قد أشعر إشعاراً ظاهراً بأنه قادر على تحدي القرآن وهو أعجب شيء من جنونه وهوسه. فيا ليت شعري أي عالم من علماء المسلمين كاتب هذا الأهوج أو شهد له بالعلم حتى تهوس للنظم والنثر وكيف سولت له نفسه أن يهدي كتابه هذا الخسيس إلى ساحة العالم العلامة عمدة المحققين في هذا العصر، أعني الأمير عبد القادر، فإن الأمير المشار إليه من أروع العلماء وأتقاهم فلا يرضى بأن نصرانياً متشدقاً معتوهاً يعارض كلام القرآن في قوله، فتوقل ثم السدرة الكبرى ويلتبط أمواجاً تارة يربو جبالاً وطوراً يغور فجاجاً وفي قوله أيضاً: فأجاب الجرو لائمه وقد سفهه كثيراً ما أحطت بما أريد علماً ولا كنت بسبب النباح خبيراً. وغير ذلك من الكلام الغث الذي يدل دلالة صريحة على أن المتشدق بهذه الفقر معتقداً غاية الاعتقاد بأن في وسعه معارضة فواصل القرآن مع إصراره على إفساد اللغة وتغيير مبانيها. وما كفاه ذلك حتى أهدى هذيانه إلى إمام في العربية. وذلك من غرائب الأمور ومثل هذا الأمر غرابة هو أن دولتلو سوروس باشا سفير الدولة العلية في لندرة وبولس غضبان أفندي قنصلها مع علمهما بأن رزق الله قد اختلس مال الدولة وفر من سجنها وأنه هجاها ووصفها بالظلم والعدوان ووصف بلادها بالخراب والدمار فقد استصوبا أن يخالطاه ويعاشراه. فهو يتردد عليهما ويستأنس بهما في غربته. فإن قيل إنهما لا علم لهما بما اختلسه رزق الله قلنا إن قضيته شهرت في جميع جرنالات الآستانة فكان من الضرورة أنهما يعلمان حاله فيعلمان الدولة العلية بوجوده. هذا ما تقضيه أصول السياسة والصداقة. فأما إذا كان هنالك أصول أخرى فهو مما يفوتنا إدراكه.ثم أن قيل أيضاً أن رزق الله لم يخرج فيما قاله نظماً ونثراً عن أصول العربية فإنه إنما ارتكب من الضرورات الشعرية ما يرتكبه غيره. قلنا أولاًُ لا نسلم بأن رزق الله شاعر حتى يجوز له ارتكاب هذه الضرورات إذ هو لا يدري ميزان الشعر وحسبك دليلاً على ذلك قوله في الصفحة التاسعة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير