تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

((إنه كان مترقباً إصلاحها منه. فما أدري كيف كان يرغب أن يقف على إصلاحها لأن الكتاب لم يُطبع مرّة ثانية بعد. بل ربّما سوّلت له نفسه أنه كان من الواجب على أبي رحمه الله، أن يُشعِره باختلالها بناءً على أنه يعتدّ نفسه إماماً للعربية وزعيماً لأهلها، وصبرٌ جميل. وأبدع منه تعليله بأن الذي أوجب عليه أن ينبّه عليها قيامه بحق اللغة لأنه يخشى في حبّها لومة لائم ٍ. وهو يقول: إن لهذه اللفظة أخواتٍ كثيرة في المقامات، فكان يجب عليه أن ينبّه على جميعها قياماً بما أخذه على نفسه من حق اللغة. وإلا فقد وقع تحت ملام اللائم، وما عُدّ إلا خائناً في حق اللغة لأنه لم يَقُم به حق القيام فكان مسخوطاً من الجانبين. وإذا كان يحسب أن ذلك عليه حق واجب وأن كلَّ غلطةٍ في اللغة إنما يكون هو المُطالب بها فذلك هو عين الحمقى. ولعمري لم يَقُلها قبله قائل. وشهد الله لو ادّعى لنفسه هذه الدعوى جبريل عليه السلام لنازعه فيها الملئكة المقرّبون. وإذا كان الأمر كذلك فهو أوّل من يحاكم بهذه السُنّة التي وضعها. وقد بينت لك في هذا الردّ من أغلاطه ما لا يكاد يسقط به أغبى الجهلاء، وإن هو إلا شيءٌ أو بعض شيءٍ من أشياء. فمن تراه يطالب بأغلاطه الكثيرة الفاضحة وكيف توفى اللغة حقها منه؟

وأعظمُ شاهدٍ على ذلك أنه رحمه الله، كان قد استدرك فيها ما فاته في الطبعة الأولى من غلط الطبع وغيره كعسفان بالفتح والخَجُوجيّ كدَجُوجيّ والإناءة بالمدّ، وغير ذلك فنبّه عليه على هامش إحدى النُسخ لكي يُراعى في الطبعة الثانية. وكذلك فعل بسائر كتبه المطبوعة، وتبارك من اعتصم بالكمال. وقد أشار إلى ذلك رحمه الله، في الكتاب الذي بعث به إلى صاحبنا حينما بلغه أن بعض أهل الآستانة يريد طبع المقامات وهو الذي كان فاتحة هذه المناقشة. وليس ذلك من الأمور المستغربة بالنسبة إلى الإنسان ولا هو مما يُعاب به، وقد قيل: كفى المرء نُبلاً أن تعد معايبه.

وقد وضع بعضهم في تخطئة مقامات الحريري المشهورة كتاباً برأسه، وبعضهم في تخطئة ديوان أبي الطيب المتنبي وغيرهما في غيرهما من أكابر العلماء و المدّققين. وما برح ذلك دأب العلماء و المصنفين في كل فنّ وزمن، فمنهم من أخطأ ومنهم من خطّأ ومنهم من جمع الأمرين وهو أشأمهم. غير أن صاحبنا لما انتدب للتخطئة في مقام الرثاء، أطال الله بقاءه، وكان ما خطّأه به في غير موضعه لأن ((الفحطل)) ليست إلا غلط طبع كما تقرّر، و ((المرابض)) قد تقدّم من الكلام عليها ما يكفي لإقناع كل ممار عنيد، ولا سيما أنك قد عرفت منزلة هذا المعترض بين نَقَدة الكلام، رأيت أن أُجيب عن ذلك لقصد بيان ما ذكر لا لقصد الدعوى بالعصمة كما زعم، فإنني لا أدّعي بأن أبي، رحمه الله، كان منزهاً عن الغلط، كما لا أسلم بأن صاحبنا يخلو من الإصابة أحياناً وإن قال به جماعةٌ من المتعنتين. فما لبث، حيَّاه الله، أن قابلني بالعنف ورماني بسوء المقال وذهب مذهباً لا يليق بالعلماء و بالحري من قام زعيماً بينهم وهو قد تعمم بالمشيب و التثم. فما الرأي أَأَستبيح حرمة من كان كذلك؟ أم أطرح بنفسي في هذا المجال وألتطخ بما أكره أن أرى غيري ملطوخاً به؟ بل أجلّ شأن أولي الفضل الذين سيُلقى كلامي هذا بين أيديهم عن أن اقتحمهم بشيء من ذلك. وكنت أحبّ أن أرى سيّدي مواطئاً لي على هذا الرأي عينه، ولكن الظاهر أن الذي حمَله على تلك الخطة هو أهمّ مما حملني على تركها واجتنابها لأنه يقول إنه يريد أن يُرضي العلماء. وشهد الله أن هذا أبلغ ما يمكن أن يقال في حقهم، وهم أجلّ من ذلك وأرفع شأناً. سامحه الله وأصلحه.

وأما قوله ((فليستعن بصاحب الجنان [المعلم بطرس البستاني] على تنقيح كلامه))، وزعمه أن صاحب الجنان ظهيرٌ لي في مناقشته، فهذيان لا غاية بعده وهو لعمري أصغر مما يزعم وأدنى كثيراً. بل مَن تراه يجسر على نقد الكلام وتنقيح خلله في جنب الأستاذ أعزَّه الله، وهو إمام العربية وزعيمها و المحامي عن حقوقها فهو أولى من نظر في سديد القول ومختله وفرَّق بين صحيحه وفاسده. وهو أجدر بأن أفوّض إليه أمري و النظر في تنقيح كلامي وقد فعل أثابه الله. ألا تراه سدّد فقال (ينبغي أن يُحكم بأن الرَبض بفتحتين مأخوذ من الربوض، لأن الربض هو من الأشياء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير