تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

امرأة عربية تقود النضال دفاعاً عن الدعوة السلفية

ـ[العوضي]ــــــــ[28 - 06 - 08, 05:02 م]ـ

امرأة عربية تقود النضال دفاعاً عن الدعوة السلفية

د. عبد المنعم إبراهيم الدسوقي الجميعي

الباحث في تاريخ المرأة العربية دائماً يتجشم المشقة في بحثه، ويتعرض للعقبات الكأْداء التي لا يذللها إلا التنقيب في بطون الأسفار، سواء أكانت المطبوعة أم المخطوطة لعله يصل إلى حاجته.

وتاريخ غالية البقميّة [1] تلك المرأة العربية التي خرجت في وقت المحن، تثير حَمِيَّة الرجال المدافعين عن وطنها، وتنفق الغالي والنفيس من أجل مواجهة قوات محمد علي الغازية لبلادها، لدرجة أنها كانت تثير الرعب والخوف بين صفوف هذه القوات عند سماعهم باسمها [2] هذا التاريخ لهو جدير حقاً بالتعريف به، وإبراز دور صاحبته حتى يتعرف أبناء هذه الأمة حقيقة البطولات الضخمة والمواقف الحاسمة التي لم تقتصر على الرجال بل شملت النساء أيضاً.

وللتعريف بتلك السيدة نقول: إنها من عرب البقوم، من بادية ما بين الحجاز ونجد، كانت أرملة رجل من أثرياء البقوم، وأحد مشايخ سبيع [3] الذين كانوا أسبق أهل الحجاز إلى موالاة نجد، ومساندة للدعوة الإصلاحية التي قادها الشيخ محمد بن عبد الوهاب والذين كانت لهم مواقف معروفة في أثناء محاربة العثمانيين وقوات محمد علي للدعوة ورجالاتها [4].

وكانت غالية من سراة قومها أوتيت من الثروة حظاً كبيراً فكان لديها من الثروة ما يفوق ما لدى أسرة عربية في منطقتها، واشتهرت بالكرم حيث كان بيتها مقصداً للمحتاجين، فكانت توزع نقوداً ومؤناً على فقراء قبيلتها الذين كانوا على استعداد لقتال الغزاة الطامعين في بلادها. كما كان بَيْتُها مَلْجأً لكل رجالات الدعوة المخلصين الذين يعقد زعماؤهم مجالسهم في بيتها [5].

وكانت هذه السيدة سديدة الرأي نافذة البصيرة، على معرفة بأمور القبائل المحيطة بها.

وبالرغم من أن البقوم كان لهم زعيم رسمي اسمه ابن جرشان [6] فقد كان صوت (غالية) مسموعاً في كافة المجالس تشارك أبناء وطنها في تصريف الأمور، كما كان لها في معظم الأحوال الكلمة العليا والرأي المطاع [7] لدرجة أن بَالَغَ أبناءُ بلدتها في تقديرها فَنَعَتُوها بالأميرة [8]، كما بالغ الأعداءُ في التَّشْهير بها فوصفوها بالساحرة الذين أصبح قادة الدعوة بفضل وسائلها لا يغلبون [9].

وعن قصة بطولة هذه السيدة نقول: إن اسمها ذاع في معظم أنحاء الجزيرة العربية بعد أنْ أنفذ طوسون باشا جيشاً بقيادة مصطفى بك أحد قواده لمهاجمة رجالات الدعوة الذين اتخذوا من تُربة [10] معسكراً لهم، وأحاطوها بالخنادق [11] وشاركت هذه السيدة المدافعين في الدفاع عن بلدتها [12] وضَاعَفتْ من هِمَمِهِمْ وأثارتْ فيهم الحمية والحماسة [13] وألهبتْ فيهم روح الانتقام من الغزاة مما زاد من مخاوف الجنود الأتراك، وثَبْط من هممهم، وزادت من ثقة الأهالي بأنفسهم [14] وانْتَهى الأمر بهزيمة قوات مصطفى باشا وقتل معظم أفرادها، وارتداد الباقين منهم على أعقابهم [15] بعد أن تركوا مدافعهم وذخيرتهم [16].

ونتيجة لفشل هذه الحملة صمم محمد علي على قِيام قواته بهجوم آخر في ذي الحجة 1228هـ/ نوفمبر 1813م فأرسل ابنه طوسون على رأس قوة مؤلفة من ألفي جُنْدِيٍّ من أجل الاستيلاء على تربة [17]، وغسل عار الهزيمة التي لحقتْ بقواته ولكنه لم يتمكن من ذلك بل مُنِيَتْ قواتُه بأفدح الخسائر.

وعن هذه الواقعة نعرض لما ذكره بعض المؤرخين. يقول المؤرخ النجدي عثمان بن بشر: "أقبل طوسون ومن معه من العساكر والجموع، ونازلوا أهل بلدة تُرَبة وحاصروها نحو أربعة أيام، ونَصبوا على قُصورها المدافع والقنابر، ورموها رَمْياً كثيراً فلم يؤثر فيها شيئاً، وأنزل الله الرعب فيه وفي عساكره، ورحل عنها بعدما قتل من قومه قتلى كثيرة" [18].

ويقول المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي: "إن طوسون باشا وعابدين بك ركبوا بعساكرهم على ناحية تربة التي بها المرأة التي يقال لها غالية، فَوقَعتْ بينهم حروب ثمانية أيام ثم رجعوا منهزمين، ولم يظفروا بطائل" [19].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير