وكان لمشاركة النبي صلى الله عليه وسلم أثر بالغ في نشاط المسلمين وإنجازهم، وكانواإذارأوامن الرجل فتورا ًضحكوا منه (22).
وكان مع المسلمين عدد من المنافقين تململوا من العمل، وتسلل بعضهم إلى أهله دون أن يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم (23)، فيما ضاعف بعض المسلمين جهودهم كسلمان الفارسي رضي الله عنه، ولذا تنافس عليه المهاجرون والأنصار كل يقول: سلمان منا، ونحن أحق به فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: سلمان منا أهل البيت (24).
وفي غمرة العمل ظهرت معجزات عدة للنبي صلى الله عليه وسلم، منها: ما رواه البخاري بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر ــ ولبثنا ثلاثة لا نذوق ذواقاً ــ فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيباً أهيل أو أهيم (25).
وفي رواية الإمام أحمد: "ثم هبط إلى الصخرة فأخذ المعول فقال: بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال:
بسم الله، وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكير أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله،
وضرب ضربة أخرى، فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا" (26).
ومنها ما رواه ابن إسحاق أن أخت النعمان بن بشير أرسلتها أمها بحفنة من تمر ليتغدى بها أبوه بشير بن سعد وخاله عبد الله بن رواحة وهما في الخندق فمرت برسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ منها التمر وبسطه فوق ثوب ثم دعا أهل الخندق فجعلوا يأكلون منه وهو يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب (27).
ومنها أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه لما رأى آثار الجوع الشديد على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ذهب إلى بيته فذبح عنزة صغيرة، وأمر امرأته فطحنت صاعاً من شعير، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: طُعيِّم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان وفوجئ جابر رضي الله عنه بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الخندق جميعاً، فأكلوا من ذلك الطعام وشبعوا، وبقيت برمة اللحم تغط به كما هي، وبقي العجين يخبز كما هو (28).
وخلال فترة وجيزة (29)، وقبل وصول المشركين إلى المدينة، أنجز المسلمون حفر الخندق، ويقدر طوله بخمسة آلاف ذراع (30)، وعرضه حوالي تسعة أذرع تقل قليلاً في الأماكن الصخرية، وعمقه يتراوح ما بين سبعة إلى عشرة أذرع، (31).وجعلوا له ممرات للخروج إلى الطرف الآخر عند الضرورة (32).
ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم برفع النساء والذراري في الآطام (33)، وعقد الألوية فدفع لواء المهاجرين لزيد بن حارثة، ولواء الأنصار لسعد بن عبادة (34)، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وخرج بالمسلمين إلى سلع فجعله خلف ظهره (35).
ثم استعرض الجيش فرد من لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره وأجاز من بلغها ومن هؤلاء عبد الله بن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وأبو سعيد الخدري والبراء بن عازب رضي الله عنهم أجمعين (36) ثم قسم الجيش إلى مجموعات ووزعها على طول الخندق لصد أي هجوم يقوم به المشركون، وقال لهم: إن بُيتم فإن دعواكم (حم لا ينصرون). (37)
وضُرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبة من أدم على مرتفع بأصل جبل سلع من الجهة الغربية (38) وكان يعقب فيها بين نسائه عائشة وزينب بنت جحش وأم سلمة (39).
وفي شوال من السنة الخامسة من الهجرة (40)، وصلت جموع المشركين (41) أطراف المدينة، فنزلت قريش ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزغابة (42)،وكانوا بقيادة أبي سفيان بن حرب (43) ونزلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد بذنب وادي نقمي إلى جانب أحد (44).وكانوا بقيادة عيينة بن حصن الفزاري. (45)
¥