امرأة من أسلم يقال لها رفيدة حتى يعوده من قريب (71)، واستشهد في المناوشات خمسة من الصحابة كلهم من الأنصار وهم: أنس بن أوس وعبد الله بن سهل الأشهليان، والطفيل بن النعمان وثعلبة بن غنمة السلميان، وكعب بن زيد وهو من بني دينار النجاري (72).
وأصيب من المشركين ثلاثة هم: نوفل بن عبد الله وعمرو بن عبد ود، وعثمان بن منبه بن أمية أصابه سهم فمات منه بمكة (73).
ولما طال الحال على المسلمين شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعانونه من خوف وجهد وجوع، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويلح بالدعاء ويقول كما يروي الإمام البخاري: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم " (74).
ويروي ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا في المكان الذي ضربت فيه قبته - والذي صار فيما بعد مسجداً يسمى مسجد الفتح - يومي الاثنين والثلاثاء والأربعاء فاستجيب له في اليوم الأخير.
وكان المشركون أيضاً يعانون من برودة الطقس، وخاصة مشركو مكة الذين اعتادوا الطقس الدافئ شتاء، وبدؤوا يتململون من طول الوقت وعدم تحقيق أي نتيجة.
ويورد ابن سعد خبراً بروايات عدة أن نعيم بن مسعود الغطفاني قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً وقال: يا رسول الله إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فقال صلى الله عليه وسلم: إنما أنت رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة. فخرج من فوره إلى بني قريظة ـ وكان نديماً لهم في الجاهلية ـ فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودّي لكم وخاصة ما بين وبينكم، وإن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم: البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون أن تحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه فإن رأوا نهزة أصابوها وإلا لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبينهم، ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوه حتى يعطوكم منهم رهائن يكونون بأيديكم، قالوا: لقد أشرت بالرأي، ثم أتى أبا سفيان ومن معه من أشراف قريش فقال لهم: قد عرفتم ودي لكم، وإن اليهود قد ندموا على نقض العهد مع محمد وقد راسلوه بأن يأخذوا من أشرافكم رهائن يدفعونها إليه ثم يكونون معه عليكم، ثم ذهب إلى غطفان، فقال لهم مثل ذلك.
وفي ليلة سبت من ليال شوال أرسل أبو سفيان عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان إلى بني قريظة فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، وقد هلك الخف والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمداً ونفرغ لما بيننا وبينه، فقالت اليهود: إن اليوم سبت وهو يوم لا نعمل فيه، ولسنا مع ذلك نقاتل معكم حتى تعطونا رهائن، لأننا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تتركونا.
فلما رجعت الرسل قالت قريش وغطفان صدقكم والله نعيم
وبعثوا إلى اليهود: إنا والله لا نرسل إليكم رجلاً واحداً فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا؛ فقالت قريظة: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق، ونجح نعيم في زرع الشك بين الأحزاب وبني قريظة، وفي منع هجومهم على المسلمين من داخل المدينة وخارجها في وقت واحد (75)، فتخاذل الفريقان، ودبت الفرقة بين صفوفهم.
واستجاب الله سبحانه لدعاء رسوله صلى الله عليه وسلم فأرسل عليهم ريحاً شديدة فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح خيامهم، فاجتمع في نفوسهم عجزهم عن اقتحام الخندق والوصول إلى المسلمين، والشك في صدق بني قريظة بمهاجمة المسلمين من خلفهم، والبرد القارس والريح العاتية، فقرر زعيمهم أبو سفيان الانسحاب إلى مكة.
وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ليأتيه بخبر المشركين، فتسلل حذيفة إلى جمعهم فسمع أبا سفيان يخطب فيهم قائلاً: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم ما نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل ()، فتهيؤا للرحيل.
فرجع حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه قال حذيفة: فلما رآني أدخلني إلى رجليه وطرح عليَّ طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر (76).
¥