وذهب مَنْ فرَّ أو أكثرهم في البحر إلى دارين، ركبوا إليها السُّفن، فقال العلاء بن الحضرمي اذهبوا بنا إلى دارين لنغزوَ مَنْ بها من الأعداء) 000فأجابوه إلى ذلك سريعاً، فسار بهم حتى أتى ساحل البحر ليركبوا في السفن، فرأى أن الشُّقّة بعيدة لا يصلون إليها في السفن حتى يذهب أعداء الله، فاقتحم البحر بفرسِه وهو يقول يا أرحم الراحمين!! يا حكيم يا كريم!! يا أحد يا صمد!! يا حيُّ يا مُحيي!! يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام!! لا إله إلا أنت يا ربّنا!!) 000
وأمر الجيش أن يقولوا ذلك ويقتحموا، ففعلوا ذلك، فأجاز بهم الخليج بإذن الله تعالى يمشون على مثل رملةٍ دَمِثةٍ فوقها ماءٌ لا يغمر أخفاف الإبل، ولا يصل إلى ركب الخيل، ومسيرته للسفن يوم وليلة، فقطعه إلى الساحل الآخر، فقاتل عدوّه وقهرهم، واحتاز غنائمهم000ثم رجع فقطعه إلى الجانب الآخر فعاد إلى موضعه الأول، وذلك كله في يوم، ولم يترك من العدو مخبراً، ولم يفقد المسلمون في البحر شيئاً سوى عليقة فرس لرجل من المسلمين ومع هذا رجع العلاء فجاءه بها!! 000
وقد قال عفيف بن المنذر في مرورهم في البحر
ألَمْ تَرَ أنّ الله ذَلّلَ بَحْرَهُ ***** وأنزلَ بالكُفّارِ إحدى الجلائلِ
دَعُوْناَ إلى شقِّ البحارِ فجاءنا ***** بأعْجَبَ مِنْ فَلْقِ البحار الأوائلِ
وقد كان مع المسلمين رجل من أهل هجر، (راهب) فأسلم حينئذ، فقيل له ما دعاك إلى الإسلام؟) 000فقال خشيتُ إن لم أفعل أن يمسخني الله، لما شاهدت من الآيات!! وقد سمعت في الهواء قبل السَّحر دعاءً {اللهم أنت الرحمن الرحيم، لا إله إلا أنت، ولا إله غيرك، والبديع الذي ليس قبلك شيء، والدائم غير الغافل، والذي لا يموت، وخالق ما يُرى وما لا يُرى، وكل يوم أنت في شأن، وعلمت اللهم كل شيئاً علماً} فعلمتُ أن القوم لم يُعانوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله) 000فحسُنَ إسلامه وكان الصحابة يسمعون منه000
كتاب عمر
كتب عمر بن الخطاب إلى العلاء بن الحضرمي وهو بالبحرين أن سِرْ إلى عُتبة بن غزوان فقد وَلّيتُك عملهُ، واعلم أنّك تقدم على رجل من المهاجرين الأوّليين الذين سبقت لهم من الله الحُسْنَى، لم أعزِلْهُ إلا أن يكون عفيفاً صليباً شديد البأس، ولكنّي ظننتُ أنّك أغنى عن المسلمين في تلك الناحية منه فاعرف له حقّه، وقد ولّيتُ قبلك رجلاً فمات قبل أن يصلي، فإن يُرد الله أن تَليَ وَليتَ وإن يُرد الله أن يَليَ عُتبة، فالخلق والأمر لله رب العالمين، واعلم أن أمر الله محفوظ بحفظه الذي أنزله، فانظر الذي خُلِقْتَ له فاكْدَح له ودَعْ ما سواه، فإن الدنيا أمدٌ والآخرة مدَدٌ، فلا يشغلنّك شيءٌ مُدْبِرٌ خيره عن شيءٍ باقٍ شرّه، واهرب إلى الله من سخطه، فإن الله يجمع لمن شاء الفضيلة في حُكمه وعلمه، نسأل الله لنا ولك العونَ على طاعته والنّجاة من عذابه) 000
فخرج العلاء بن الحضرمي من البحرين في رهط منهم أبو هريرة وأبو بكرة، فلمّا كانوا بلِياسٍ قريباً من الصِّعاب، وهي من أرض بني تميم مات العلاء بن الحضرمي، فرجع أبو هريرة إلى البحرين، وقدم أبو بكرة إلى البصرة000
أبوهريرة
قال أبوهريرة -رضي الله عنه-: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع العلاء بن الحضرمي، وأوصاه بي خيراً، فلما فصلنا قال لي إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أوصاني بك خيراً، فانظُرْ ماذا تحبّ؟) 000فقلتُ تجعلني أوذّن لك، ولا تسبقني بأمين) 000فأعطاه ذلك000
كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول رأيتُ من العلاء بن الحضرمي ثلاثة أشياء لا أزال أحبّه أبداً، رأيته قطع البحر على فرسه يوم دارين!! 000 وقدم من المدينة يريد البحرين فلمّا كان بالدَّهناء نفِدَ ماؤهم، فدعا الله تعالى لهم، فنبع لهم من تحت رَمْلَةٍ فارتَوَوْا وارتحلوا، وأُنْسِيَ رجلٌ منهم بعض متاعه، فرجع فأخذه ولم يجد الماء!! 000
وخرجتُ معه من البحرين إلى صفّ البصرة، فلمّا كنّا بلياس مات، ونحن على غير ماءٍ، فأبدى الله لنا سحابةً فمُطرنا، فغسّلناه وحفرنا له بسيوفِنَا، ولم نُلحِد له ودفنّاه ومضينا، فقال رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دفنّاه ولم نلحد له) 000فرجعنا لِنُلْحِد له فلم نجد موضع قبره، وقدم أبو بكرة البصرة بوفاة العلاء الحضرمي) 000
منقول