بيسير, ثم ذكر عن جماعة من علماء وردوا إلى مكة في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة, وإنهم أنكروا صلاة الأئمة الأربعة مترتبين على الصفة المعهودة, وإنه عرض ما أملاه في عدم جواز هذه الصلاة وأنكر إقامتها على جماعة من العلماء, وإنهم وافقوه على أن المنع من ذلك هو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة انتهى مختصرا غالبه بالمعنى وقال الشيخ أبو إبراهيم الغساني: إن افتراق الجماعة عند الإقامة على أئمة متعددة: إمام ساجد وإمام راكع وإمام يقول سمع الله لمن حمده لم يوجد من ذكره من الأئمة ولا أذن به أحد بعد الرسول عليه الصلاة والسلام لا من صحت عقيدته ولا من فسدت لا في سفر ولا في حضر ولا عند تلاحم السيوف وتضام الصفوف في سبيل الله ولا يوجد في ذلك أثر لمن تقدم فيكون له به أسوة انتهى.
وسئل القاضي جمال الدين بن ظهيرة عن إقامة الأئمة الأربعة لصلاة المغرب في وقت واحد, وقال القائل في السؤال: إن ذلك لم يكن في زمن النبوة ولا الخلفاء الراشدين ولا في زمن الأئمة الأربعة وعن قول بعض فقهاء الإسكندرية: إن المسجد الحرام كأربعة مساجد, وإن ذلك مخالف لقول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (الاسراء: من الآية1) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف
صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام (1) ولم يقل المساجد الحرام "فأجاب" بأن صلاة الأئمة الأربعة المغرب دفعة واحدة من البدع الفظيعة والأمور الشنيعة التي لم تزل العلماء ينكرونها في الحديث والقديم ويردونها على مخترعها القادم منهم والمقيم, ثم ذكر بعض كلام ابن الحباب الذي ذكرناه وكلام الغساني, ثم قال: وقد كفانا هذان الرجلان في هذه المسألة وفيما نقله الأول منهما من إجماع الأمة وكلام الأئمة كفاية, قال: وقد أخبرني بعض أهل العلم أنه اجتمع بالشيخ الإمام العالم العلامة عالم المغرب في وقته المجمع على علمه ودينه وفضيلته أبي عبد الله بن عرفة في حجته سنة اثنين وتسعين وسبعمائة بالمسجد الحرام فإنه لما رأى اجتماع الأئمة الأربعة في صلاة المغرب أنكر ذلك, وقال إن ذلك لا يجوز بإجماع المسلمين لا أعلم بينهم في ذلك اختلافا انتهى, ثم قال وهذا صحيح لا شك فيه, وبشاعة ذلك وشناعته ظاهرة لمن ألهم رشده ولم تمل به عصبية. ودلائل المنع من ذلك من السنة الشريفة أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر, وقد يحصل من ذلك من الضرر في الموسم على المصلين ما لا مزيد عليه وتبطل صلاة كثير منهم للاشتباه, وجميع البلاد التي تقام فيها هذه الجماعات يجتمعون في صلاة المغرب على إمام واحد, وهو الشافعي الراتب الأول كبيت المقدس ودمشق وغيرهما وعلى الجملة فذلك من البدع التي يجب إنكارها والسعي لله تعالى في خفض منارها وإزالة شعارها واجتماع الناس على إمام واحد وهو الإمام الراتب, ويثاب ولي الأمر على إزالة هذا المنكر وينال به عند الله الدرجات العالية ويؤجر, وكل من قام في ذلك فله الأجر الوافر والخير العظيم المتكاثر, وأما قول من قال من فقهاء الإسكندرية بأن المسجد الحرام كأربعة مساجد فهو قول باطل سخيف, وهو أقل من أن يتعرض له برد لمخالفته المحسوس والأدلة الظاهرة المتكاثرة من الكتاب والسنة انتهى.
قلت: وما قاله هؤلاء الأئمة ظاهر لا شك فيه إذ لا يشك عاقل في أن هذا الفعل المذكور مناقض لمقصود الشارع من مشروعية صلاة الجماعة, وهو اجتماع المسلمين وأن تعود بركة بعضهم على بعض وأن لا يؤدي ذلك إلى تفرق الكلمة ولم يسمح الشارع بتفريق الجماعة بإمامين عند الضرورة الشديدة وهي حضور القتال مع عدو الدين بل أمر بقسم الجماعة وصلاتهم بإمام واحد, وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - رسوله بهدم مسجد الضرار لما اتخذ لتفريق الجماعة, ولقد أخبرني والدي - رحمه الله تعالى - عن بعض شيوخه أنه كان يقول: فعل هؤلاء الأئمة في تفريق الجماعة يشبه فعل مسجد أهل الضرار, وهذا كله في غير المغرب, وأما ما كان يفعل في المغرب فلا يشك عاقل في حرمته مع أنه لم نر في الزمن الذي أدركناه
¥