و نظرا لرغبته الشديدة في الاستزادة من المعارف و العلوم فقد سافر إلى تلمسان حوالي سنة 1012 هـ ليتتلمذ على الشيخ سعيد المقري الذي بلغت شهرته في ذلك الوقت القاصي و الداني و خصوصا في العلوم العقلية، فتتلمذ عليه في الحديث الشريف و الأدب و التاريخ و البلاغة و البيان و غيرهما، و قد أجازه سعيد المقري بتلمسان بسنده في الكتب الستة إلى القاضي عياض رفقة أبوالعباس أحمد المقري الذي نشأت بينهما صداقة و محبة و أخوة، إذ يخبرنا المقري في كتابه ((رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، أبوالعباس أحمد المقري، تحقيق: د. محمد بن معمر، مكتبة الرشاد، الجزائر، 2004 - ص 72.)): " ... بأنه نزل بالجزائر العاصمة يوم الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة 1027 هـ، حيث خرج إلى رأس تافورة صحبة جماعة من الأعيان منهم مفتي الحنفية الخطيب محمود بن حسين بن قرمان، والشاعر الأديب محمد بن راس العين الذي تبادلت معه نظم الشعر بمناسبة هذا الاجتماع، كما التقيت بعالم الجزائر وفقيهها الأخ في الله سيدي سعيد الشهير بقدورة، الذي كنت قد رافقه في الأخذ عن عمي سعيد المقري."
ويذكر المقري أنه أثناء هذا اللقاء لاغز [من اللغز] سعيد قدورة المؤلف في لفظ القوس نثراً فأجابه، كما لاغزه في لفظ الصنّبر بتسعة أبيات، وأجابه المؤلف بأحد عشر بيتاً في حل هذا اللغز
ومما ذكره حول لغز المفتي سعيد قدورة مايلي: " كتب إلي مفتي الجزائر وعالمها وإمامها وخطيبها الأخ في الله سيدي سعيد الشهير بقدورة - حفظه الله - ملغزاً في القوس:
يا بارعاً أربى على ذوي النهى ... ولامعاً يسمو على نجم السهى
لفظ تراه في كتاب الله ... أتى مثنى يا أخا انتباه
ولم يثن فيه واصطحبه ... في السفر المبرور تستطبه
فأجبته:
الحمد لله الذي ألهما ... لحل مُشْكلٍ عَرَا وأفهما
وصلواته على المُقَرَّبِ ... كقاب قوسين النبيِّ العربي
ثم الرضى عن صحبه وعترتِهْ ... الفائزين بمزايا إثرته
ووارثيه علماء الملة ... السعداء العاملين الجلة
وبعد:
يا صدر الكمال والورع فقد أتانا نظمك الذي عجز عن ألفاظه قاريها، فأسلم القوس إلى باريها، وكيف لا وقد رمى عنها، فلم تحط شريد الفهم .. "
ثم سافر في طلب العلم و ملاقاة الشيوخ و المحدثين للأخذ عنهم الى صحراء فجيج و تافيلالت و سجلماسة وواحة توات، و قد أختير ضمن وفد مدينة تلمسان للذهاب الى سجلمساسة لتهنئة احمد بن عبد الله السجلماسي الشاعر المعروف بابن المحلى الذي استولى عليها [الفقيه أبو العباس أحمد بن عبد الله السجلماسي المعروف بأبي محلي توفي مقتولا في ثورته على السلطان زيدان سنة ثامن رمضان سنة اثنتين وعشرين وألف ... الذي خرج يؤم سجلماسة وكان خليفة زيدان عليها يومئذ يسمى الحاج المير فخرج عامل زيدان لمصادمته وهو في نحو أربعة آلاف وابن أبي محلي في نحو أربعمائة فلما التقى الجمعان كانت الدبرة على جيش زيدان ... ولما دخل سجلماسة أظهر العدل وغير المناكر فأحبته العامة وقدمت عليه وفود أهل تلمسان والراشدية يهنئونه وفيهم الفقيه العلامة أبو عثمان سعيد الجزائري المعروف بقدورة شارح السلم وهو من تلامذة ابن أبي محلي كما ذكره في الأصليت " [كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للشيخ أبو العباس الناصري ج1]، ثم سافر إلى فاس و بقي يطلب العلم حتى سنة 1019 هـ حيث دامت غربته اكثر من سبع (07) سنوات قبل ان يعود الى الجزائر.
ومن الشيوخ الذين أخذ عنهم و أجازوه أيضا:
- إبراهيم بن الحسن بن علي اللقاني المالكي المصري (ت سنة 1041 هـ): أبو إسحاق عالم مصر وإمامها أحد الأعلام المشار لهم بسعة الاطلاع في علم الحديث والتبحر في بقية العلوم ومن مؤلفاته " قضاء الوطر في توضيح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر" و " إجمال الرسائل وبهجة المحافل في التعريف برواة الشمائل " و جزءا في مشيخته سماه " نشر المآثر فيمن أدرك من أهل القرن العاشر".
عودته الى الجزائر و وظائفه بها:
عاد من غربته ليجد شيخه المطماطي يعاني من المرض الشديد فيعينه خليفة له للتدريس بالجامع الكبير ووكيلا لأوقافه، وبعد اشتهار أمره عين مفتيا للمالكية ابتداء من سنة 1028 هـ، و قد ظل في هذا المنصب المهم و الخطير حتى وفاته سنة 1066 هـ،
¥