[دور مدينة سانتافي الصليبية في سقوط غرناطة الإسلامية]
ـ[هشام زليم]ــــــــ[01 - 08 - 08, 11:31 ص]ـ
قبل أيام كنت قد طرحت موضوعا حول سيارة "هيونداي سانتافي" و ارتباط الجزء الثاني من اسم هذه السيارة "سانتافي " بمأساة سقوط غرناطة. و قد بينت بالدلائل على أن هذا الإسم اسم إسباني ذو دلالة صليبية حيث أن هذه الكلمة Santa fe تعني بالإسباني" الإيمان المقدس" وبينت من خلال اقتباس من تأريخ العلامة محمد عبد الله عنان لسقوط غرناطة أن هذه المدينة أُسست خصيصا لتشديد الحصار على المسلمين بغرناطة و إرغام أهلها على الإستسلام. ونقلت كلام أحد المؤرخين الغربيين الذي اعتبر مدينة سانتافي المدينة الوحيدة التي لم تطأها قدم مسلم. وقد كنت أعتقد أن هذه الدلائل كافية لإساءة الظن بهذا الإسم. غير أني تفاجأت من أن البعض قد نفوا أي صلة بين اسم سانتافي و سقوط غرناطة و اعتبروه مجرد اسم لمدينة كسان فرانسيسكو و سان دييغو ... يعني اسم لا ينم عن أي عداوة ضد المسلمين. و ما قدّم هؤلاء من دليل غير أنهم اعتبروا أن كوريا منتجة السيارة سانتافي هي دولة بوذية وثنية و ليست صليبية ومحال أن تقصد جرح مشاعر المسلمين و هكذا فهي لا تعلم خلفية هذا الإسم. و أنا أتساءل: لماذا اختاروا هذا الإسم بالذات؟ و هل له معنى أخر غير معاد للمسلمين؟
و ليت هؤلاء الإخوة ما تعللوا بتبرئة كوريا من الصليبية و هي التي أصبحت من الدول المفرّخة للمبشرين بالنصرانية في العالم, و يكفي أن نذكّر هؤلاء باعتقال السلطات الأفغانية العام الماضي لعشرين مبشرا كوريا في أفغانستان و نفس الشيئ في العراق قبل سنوات.
من خلال هذا الموضوع أريد أن أضع النقاط على الحروف و أبين بالدليل التاريخي أن سانتافي لها دور كبير في سقوط غرناطة المسلمة و ذلك بتشديد الحصار عليها و قطع القوت عن أهلها و افتخار النصارى بهذه المدينة التي يعتبرونها "قاهرة المسلمين" و تذكرهم بطرد العرب من إسبانيا. و الدليل الجديد الذي سأذكره هو لتقوية الأدلة السابقة التي ذكرتها.
جاء في كتاب "أخبار سقوط غرناطة" للكاتب الأمريكي الشهير واشنطن إفرينج الذي عاش في القرن التاسع عشرو هو من قلائل المؤرخين الذين اهتموا بذكر أحوال غرناطة المسلمة في الفترة التي سبقت بقليل سقوطها بيد النصارى.
و أنقل بإذن الله أدناه ما جاء في كتاب هذا المؤلف الأمريكي و كيف بوّب لمدينة سانتافي في كتابه.
يقول واشنطن أفرينج:
"الفصل السادس عشر
"بناء مدينة سانتافي و يأس العرب"
أغلق العرب على أنفسهم الأن حصون قلعتهم بكل حزن و أسى, ولم يعد بمقدورهم أن يقوموا بأي خروج جريء من أبوابها, وحتى الموسيقى العسكرية التي كانت تقرع بطبولها و أبواقها بصورة مستمرة من مدينة هؤلاء المقاتلين, صارت تُسمع بالنادر من مواقع القتال فيها و عاش الناس على أمل أن احتراق معسكر العدو سوف يُضعف من معنوياتهم, وبذلك ينتهي هذا الحصار بانتهاء الصائفة كما جرت العادة في الحروب السابقة, فينسحب العدو قبل حلول موسم الأمطار السنوية في الخريف, لكن الإجراءات التي اتخذها "فرناندو و إيزابيلا" ما برحت أن حطمت مثل هذه الأمال, فقد صدر أمريهما ببناء مدينة بدل المخيم و في موقعه, لإقناع العرب بأن الحصار لن يرفع قبل استسلام غرناطة, وتم تكليف تسع بلديات اسبانية للقيام بهذا الأمر, فاندفعوا يتنافسون بحماس لتحقيق هذه القضية التي تخدم قضيتهم, وعلّق "أغاييدا" كعادته على ذلك بقوله:"إنه يبدو وكأن معجزة تحققت لمساعدة أعمال هذه البلديات بظهور هذه المدينة الرائعة بتلك السرعة, بكل أبنيتها القوية المتينة و الجدران حولها, وما يطوقها من أبراج, في الأماكن التي لم يكن يظهر فيها سوى طرقات بين خيام, و قد قطع هذه المدينة طريقان رئيسيان على شكل صليب, بنهاية كل منهما بوابة على مواجهة الجهات الأربعة, ووسط تقاطع هذين الطريقين قامت ساحة كبيرة يمكن لكل الجيش أن يجتمع فيها, و اقترُح أن تسمى هذه المدينة باسم الملكة العزيزة جدا على الجيش و الأمة" و لكن هذه المرأة الأميرة الصالحة - أضاف أغاييدا -:" أعطتها اسم القديسة "في", أي مدينة الأيمان المقدس, لأنها تذكر بالهدف المقدس من هذه الحرب, وظلّت هذه المدينة قائمة بعد الحرب كنصب لهذا العمل الصالح, و لإظهار مجد مُلك الكاثوليك".
و هكذا عمل البناؤون بكل اتجاه معا, وكل يوم كانت قوافل البغال الطويلة تدخل و تحرج من مداخل هذه المدينة, وامتلأت الطرقات بالمتاجر المليئة بكل البضائع الثمينة و الرخيصة, وبدأ الإزدهار التجاري يبدو في هذه المدينة, بينما غرناطة التعيسة مقفلة أبوابها في عزلتها الخانقة.
و نتيجة لكل هذا بدأت المدينة المُحاصرة تشعر بالمجاعة, لأن كل مواد التموين قد قطعت نهائيا عنها, فالمركيز "أوف كاديز" كان يصادر كل مواد تموينية يحملها عرب "البقصارا" إلى المدينة, ويأتي بقوافلهم بكل عنجهية أسرى إلى المعسكر على مرأى من عرب المدينة المحاصرين. وحين جاء الخريف كان لا يوجد شيئ يمكن حصاده, وباقتراب الشتاء, كادت المدينة تخلو من أي مواد تموينية, فصار الناس يتشاءمون كثيرا و من كل شيئ ... "
من كتاب" أخبار سقوط غرناطة" للأمريكي واشنطن إيرفنغ ترجمة هلاني يحي نصري. الصفحة 395و396.
فالله المستعان.