لا تضاهى. ووضعوا الرأس في قفص من حديد رفع فوق باب المدينة باتجاه البشرات حيث بقي معلقا لمدة ثلاثين سنة" (6)
ردا على هذه الثورة قرر المجلس الملكي الإسباني إقصاء الأندلسيين جميعا من مملكة غرناطة و ترحيلهم إلى مناطق خارجها. و ذلك لإبعادهم عن مركز ثقلهم و تشتيت وحدتهم حتى لا تقوم لهم قائمة.
لكن الغرناطيين كانوا يحملون عبء الدعوة في المناطق التي رحلوا إليها فقد بعثوا الروح الإسلامية في مسلمي المناطق الأخرى كقشتالة و أراغون و بلنسية.
فاضطرت السلطات الإسبانية غير مامرّة لتهجيرهم من منطقة لأخرى.
و استمرّ اضهاد المسلمين بإسبانيا إلى حدود سنة 1608م حيث قرر مجلس الدولة الإسباني بكامل أفراده و بالإجماع على طرد الأندلسيين جميعا من الأراضي الإسبانية لاعتبارهم "كفرة" بالدين النصراني و "خونة" للدولة الإسبانية. و كما قال المثقف اللإسباني رودريغو دو زياس " بإصدار هذا القرار وُلدت أول دولة عنصرية في التاريخ" (7).
بدأت السلطات الإسبانية بتنفيذ القرار ابتداءا من السنة الموالية حيث جهزت سفنا في جميع مرافئ البلاد لحمل الاندلسيين إلى سواحل شمال إفريقيا و فرنسا.
"و قد وصف قوافل المرحلين الأندلسيين شاعر إسباني معاصر بأبيات معبرة:
فرقة من المسلمين و المسلمات
تمشي و هي تسمع من الجميع الشتائم
هم يحملون الثروة و الاموال
و هن يحملن زينتهن و الملابس
و العجائز بأحزان و بكاء
التوى و جههن و شكلهن
محملات بجواهر مزيفة
و أواني الطبخ و مقلات و قرب و قنادل
و عجوز يحمل طفلا بيده
و الأخر على صدر أمه الحنون
و ثالث شاب قوي كالطرياني
لا يتأخر عن حمل أبيه"" (8)
و في الطريق إلى مناطق هجرتهم تعرض الأندلسيون لكل أنواع النصب و الإحتيال و السرقة و القتل حتى. و كانوا فريسة سهلة للبحارة الذين كانوا لا يصلون بهم إلى الساحل و يرمون بهم في وسط البحر بعد أن ينهبوا مالهم و متاعهم.
لكنهم- بفضل الله و منه و كرمه - وصلوا أخيرا إلى بلاد الإسلام بعد أن فروا من الكفر. وصلوا إلى تطوان و الرباط و شفشاون و تلمسان و بجاية و الجزائر و تونس و سليمان و تستور ... و كانوا بحق من خيرة رجالات البلدان التي حلّوا بها في جميع الميادين الشرعية و الإقتصادية (فقد كانوا من أمهر الحرفيين) و العسكرية (خاصة في ساحة الجهاد البحري الذي قض مضاجع الإسبان).
فرحم الله أبناء الأمة الأندلسية الذين قضوا و هم يدافعون عن عقيدتهم ودينهم وسط بطش و إرهاب النصارى.
الهوامش
(1) كتاب "مسلمو مملكة غرناطة" خوايو كارو باروخا. تعريب الأستاذ جمال عبد الرحمان. الصفحة 121.
(2) كتاب "انبعاث الإسلام بالأندلس" علي الكتاني. الصفحة 61.
(3) كتاب "انبعاث الإسلام بالأندلس" علي الكتاني. الصفحة 61.
(4) كتاب "انبعاث الإسلام بالأندلس" علي الكتاني. الصفحة 62
(5) كتاب "الموريسكيون الأندلسيون" للكاتبة الإسبانية مرثيدس غارثيا أرينا. تعريب الأستاذ جمال عبد الرحمان. الصفحة 53 - 54.
(6) كتاب "انبعاث الإسلام بالأندلس" علي الكتاني. الصفحة 119
(7) هو مقال للكاتب الإسباني رودريغو دو زياس نشره في مجلة "العالم الديبلوماسي " الفرنسية عدد مارس 1997. و لأهميته و كشفه عن وثائق جديدة قمت بترجمته إلى العربية.
(8) كتاب "انبعاث الإسلام بالأندلس" علي الكتاني. الصفحة 165.
ـ[هشام زليم]ــــــــ[13 - 08 - 08, 03:39 م]ـ
رابط جديد للموضوع
http://www.islamway.com/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=4201