تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الطبري: فيها وجهان فمن قال مصدرية قال المعنى: والله خلقكم وخلق عملكم، ومن قال موصولة قال خلقكم وخلق الذي تعملون، أي تعملون منه الأصنام وهو الخشب والنحاس وغيرهما، ثم أسند عن قتادة ما يرجح القول الثاني وهو قوله تعالى (والله خلقكم وما تعملون) أي بأيديكم.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق قتادة أيضا قال تعبدون ما تنحتون أي من الأصنام والله خلقكم وما تعملون أي بأيديكم، وتمسك المعتزلة بهذا التأويل قال السهيلي في نتائج الفكر له: اتفق العقلاء على أن أفعال العباد لا تتعلق بالجواهر والأجسام فلا تقول عملت حبلا ولا صنعت جملا ولا شجرا فإذا كان كذلك فمن قال أعجبني ما عملت فمعناه الحدث فعلى هذا لا يصح في تأويل " والله خلقكم وما تعملون " إلا أنها مصدرية وهو قول أهل السنة، ولا يصح قول المعتزلة أنها موصولة فإنهم زعموا أنها واقعة على الأصنام التي كانوا ينحتونها فقالوا التقدير: خلقكم وخلق الأصنام وزعموا أن نظم الكلام يقتضي ما قالوه لتقدم قوله ما تنحتون لأنها واقعة على الحجارة المنحوتة فكذلك ما الثانية، والتقدير عندهم: أتعبدون حجارة تنحتونها والله خلقكم وخلق تلك الحجارة التي تعملونها، هذه شبهتهم ولا يصح ذلك من جهة النحو إذ ما لا تكون مع الفعل الخاص إلا مصدرية، فعلى هذا فالآية ترد مذهبهم وتفسد قولهم والنظم على قول أهل السنة أبدع، فإن قيل قد تقول عملت الصحفة وصنعت الجفنة وكذا يصح عملت الصنم قلنا لا يتعلق ذلك إلا بالصورة التي هي التأليف والتركيب وهي الفعل الذي هو الإحداث دون الجواهر بالاتفاق، ولأن الآية وردت في بيان استحقاق الخالق العبادة لانفراده بالخلق وإقامة الحجة على من يعبد ما لا يخلق وهم يخلقون فقال أتعبدون من لا يخلق وتدعون عبادة من خلقكم وخلق أعمالكم التي تعملون، ولو كانوا كما زعموا لما قامت الحجة من نفس هذا الكلام لأنه لو جعلهم خالقين لأعمالهم وهو خالق للأجناس لشركهم معهم في الخلق، تعالى الله عن إفكهم، قال البيهقي في " كتاب الاعتقاد " قال الله تعالى (ذلكم الله ربكم خالق كل شيء) فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشر وقال تعالى (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء) فنفى أن يكون خالق غيره، ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق، فلو كانت الأفعال غير مخلوقة له لكان خالق بعض الأشياء لا خالق كل شيء، وهو بخلاف الآية، ومن المعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان فلو كان الله خالق الأعيان، والناس خالق الأفعال لكان مخلوقات الناس أكثر من مخلوقات الله، تعالى الله عن ذلك.

وقال الله تعالى (والله خلقكم وما تعملون) وقال مكي بن أبي طالب في إعراب القرآن له قالت المعتزلة ما في قوله تعالى (وما تعملون) موصولة فرارا من أن يقروا بعموم الخلق لله تعالى، يريدون أنه خلق الأشياء التي تنحت منها الأصنام، وأما الأعمال والحركات فإنها غير داخلة في خلق الله، وزعموا أنهم أرادوا بذلك تنزيه الله تعالى عن خلق الشر، ورد عليهم أهل السنة بأن الله تعالى خلق إبليس وهو الشر كله.

وقال تعالى (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) فأثبت أنه خلق الشر، وأطبق القراء حتى أهل الشذوذ على إضافة شر إلى " ما " إلا عمرو بن عبيد رأس الاعتزال فقرأها بتنوين شر ليصحح مذهبه، وهو محجوج بإجماع من قبله على قراءتها بالإضافة، قال: وإذا تقرر أن الله خالق كل شيء من خير وشر وجب أن تكون " ما " مصدرية، والمعنى خلقكم وخلق عملكم انتهى، وقوى صاحب الكشاف مذهبه بأن قوله (وما تعملون) ترجمة عن قوله قبلها " ما تنحتون " و " ما " في قوله: " ما تنحتون " موصولة اتفاقا، فلا يعدل ب " ما " التي بعدها عن أختها، وأطال في تقرير ذلك، ومن جملته فإن قلت ما أنكرت أن تكون ما مصدرية والمعنى: خلقكم وخلق عملكم كما تقول المجبرة يعني أهل السنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير