تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"حركة دينية سياسية، ابتغى أصحابها بعث الديانات الثنوية الفارسية، وكان أكثرهم يعتنقون المانوية خاصة، وكان أهل الإباحة منهم يتأثرون المزكية أيضاً. وقد دبروا لطمس العقيدة الإسلامية، ونسف ُمثل الأمة العربية، ليقوضوا الدولة الإسلامية، ويعيدوا الدولة الفارسية الثنوية، وكان الزنادقة مخادعين أذكياء، ودُهاة خبثاء، فتستروا بالإسلام، وأسروا الكفر، إخفاء لعقائدهم، وتغطية لأهدافهم، وتيسيراً لعملهم، وكان رؤساؤهم وأتباعهم من الموالي الفرس، وكان شعراؤهم أهم من جد منهم في إحياء تراثهم الديني ونشره، وأكبر من لجّ منهم في تخريب الإسلام وتهديمه وأشهر من نشط منهم في تشويه الخلق العربي وتحطيمه. واشتط في ذلك منهم الشعراء الموالي الكوفيين أكثر من البصريين، لأن الكوفة سبقت البصرة في الزندقة، وفاقتها في الإباحة. وكان مطيع بن إياس وحماد عجرد .. أخطر الزنادقة من أهل الكوفة، وكان بشار بن برد، وصالح بن عبد القدوس أخطر الزنادقة الموالي من أهل البصرة. وكان بجانبهم مجانّ وفسقة وعصاة من الشعراء من أهل الكوفة مثل أبي دلامة وعلي بن الخليل، ووالبة بن الحباب، ومن أهل البصرة سلم الخاسر وأبان بن عبد الحميد، وأبي نواس .. وقد اتهموا جميعاً بالزندقة الدينية"

التعريف المختار لمعنى كلمة الزندقة:

بعد هذا العرض السابق لتطور معنى الزندقة نرى أن كلمة زنديق تعني من أبطن الكفر وأظهر الإسلام سواء أكان هذا الكفر المانوية أو الفرعونية أو الفينيقية أو البربرية أو النوبية أو العلمانية وغيرها من المذاهب أو النعرات أو القوميات المناهضة والمناقضة للإسلام. فالجامع لهؤلاء هو إبطانهم واخلاصهم له .. ورغم ذلك فإنهم يتمسكون بكلمة الإسلام إما خشية انتقام الأمة منهم وإما خبثاً ليروجوا مذاهبهم وعقائدهم الباطلة تحت عباءة الإسلام .. وعلى أية حال فالزندقة الحديثة أشد خطراً على الإسلام وتعاليمه من الزندقة القديمة إذ كان للمسلمين دولة وخليفة وقضاة يحمون بيضة الإسلام ويخشى سطوتهم الزنادقة قديماً .. أما اليوم فلا يوجد للمسلمين دولة تذود عن عقيدتهم .. ووسائل الإعلام المسعورة تتسابق على نهش الإسلام ونشر غثاء الزنادقة الجدد.

متى وكيف ظهرت الزندقة:

ذكر بعض المؤرخين والباحثين أن تاريخ محاكمة الزنادقة وتتبعهم منذ عهد الخلفاء العباسيين الأول؛ المهدي والهادي والرشيد وسار على نفس الدرب المأمون والمعتصم. وقد حدد المستشرق "فيدا" بداية محاكمة الزنادقة من سنة 163هـ إلى سنة 170هـ أي في السنوات الأخيرة من خلافة المهدي وإبان خلافة الهادي. "ففي سنة 163هـ بدأت حملة المهدي العنيفة على الزنادقة بأن أمر عبد الجبار المحتسب، والذي يلقبه صاحب الأغاني بلقب (صاحب الزنادقة) بالقبض على الزنادقة الموجودين داخل البلاد. فقبض على من استطاع القبض عليه وأتوا به إلى الخليفة الذي كان حينئذ في دابق، وأمر بقتل بعضهم وتمزيق كتبه. واستمر الخليفة في هذا الاضطهاد في السنوات التالية حتى بلغ الاضطهاد غايته في الفترة ما بين 166هـ وسنة 170هـ وكان يقوم على أمر هذا الاضطهاد قضاة مخصوصون، أشهرهم عبد الجبار الذي ذكرناه آنفاً، وعمر الكلوزي الذي عُين في سنة 167هـ، ثم محمد بن عيسى حمدويه الذي خلف عمر" هكذا حدد المستشرق "فيْدا" بداية ظهور الزندقة إلى العلن وذلك بإعلان الخليفة المهدي الجهاد على هؤلاء الزنادقة وكان الإعلان الرسمي للدولة في سنة 163هـ. أقول: لكن لنا تحفظات على ما ورد من استخدام بعض الألفاظ في عبارة المستشرق فيدا: مثل قوله (بدأت حملة المهدي العنيفة) .. وكذا تكرار كلمة (اضطهاد) التي توحي بمعاناة الزنادقة وكأنهم تعرضوا لحملة جور وظلم من قبل دولة الخلافة!! وفيها أيضاً إيحاء بالعطف على هؤلاء الزنادقة .. وكنا نود أن يعترض الدكتور عبد الرحمن بدوي على هذه الألفاظ وخاصة أنه ترجم هذا المقال الذي كتبه فيدا إلى العربية .. فاضطهاد المهدي للزنادقة هو جهاد شرعي، وعنف المهدي مع الزنادقة من باب قوله تعالى (وليجدوا فيكم غلظة) .. ويرى بعض المؤرخين أن ظهور الزندقة كان قبل الخليفة المهدي أي في أواخر الخلافة الأموية .. فابن النديم المتوفى 380هـ ذكر أسماء رؤساء المانوية قبل الخلافة العباسية: "كان الجعد بن درهم الذي ينسب إليه مروان بن محمد، فيقال مروان الجعدي، كان مؤدباً له

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير