لابتيها حرام" رواهما البخاري، وعن زيد بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة" وعن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين لابتيها يريد المدينة" وعن أنس مرفوعًا: "اللهم إني أحرم ما بين جبليها" وعن علي رضي الله عنه مرفوعًا: "المدينة حرم ما بين عين وثور". وعن أبي سعيد مرفوعًا "إني حرمت المدينة حرامًا ما بين مأزميها". جميع هذه الأحاديث رواها مسلم.
وقد تضمنت النصوص الواردة في هذا تحديد الحرم: باللايتين تارة، وبعير وثور تارة، وبالمأزمين تارة، وبالجبلين تارة. وأحاديث اللايتين أكثر من أحاديث الجبلين. والجبلان هما عير وثور. والمأزمان هما الجبلان. فأما عير وثور فخارجان عن الحرم كما هو الأصل في التحديدات. وأما اللايتان فداخلتان في الحرم لما يلي:
أ - قصة بني حارثة حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم ثم التفت فقال بل أنتم فيه" ومنازلهم في سند الحرة الشرقية مما يلي العريض، وحصنهم باقية آثاره حتى الآن. فدل على أن هذه الحرة من الحرم، وهي محاذية لعير وثور، فكأنه صلى الله عليه وسلم لما التفت فرأى عيرًا قال لهم بل أنتم في الحرم.
ب - قصة سعد بن أبي وقاص حينما أخذ سلب الرجل الذي وجده يقطع الشجر في العقيق. والعقيق ليس حرة، بل هو واد منقطع عن الحرة الغربية وأبعد منها عن المدينة، ولكن القسم الأعلى منه مامت لجبل عير من الشمال والغرب.
ج - حديث تحريم ما بين حرتيها وجمامها. والجماوات الثلاث معروفة، وتقع بعد العقيق وبعد الحرة الغربية كما هو مشاهد.
د - أن الحرة الغربية تبدأ من عند باب العنبرية وتمتد غربًا. والحرة الشرقية تبدأ من نهاية شارع أبي ذر بطريق المطار بنحو مائتي متر، فلو لم تقل بأنهما داخلتان في الحرم لخرجت جملة كثيرة من منازل المدينة عن الحرم، ولا قائل بهذا من أهل العلم الذين أطلعنا على كلامهم.
هـ - ذكر العلماء مسافة الحرم بريدا في بريد، واستدلوا بما ورد في هذا، ولا يمكن تطبيق هذه المسافة إلا إذا أدخلنا الحرتين، لأن الحرتين قريبتان من الحرم، بخلاف الجبلين فبعيدان جدًا بالنسبة إلى قرب اللابتين.
وقد أخذت الهيئة المساحة من الجهات الأربع من المسجد إلى "عير" جنوبًا، وعن المسجد إلى "ثور" شمالا، ومن المسجد إلى الحرة الغربية عند محاذاة "عير" غربًا، ومن المسجد إلى الحرة الشرقية عند محاذاة "ثور" شرقًا، فكانت المسافة متقاربة في الجميع، وتبلغ أحد عشر كيلومترًا تقريبًا بعداد السيارة وإن كانت السيارة لا تسير باتجاه واحد بل تأخذ يمينًا ومشالا حسب سهولة الخط، ولكن هذا يعطي فكرة تقريبية للمسافة من الجهات الأربع، وهذه المسافة مقاربة لإثنى عشر ميلاً الواردة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم قال: "حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لايتي المدينة، وجعل اثنى عشر ميلاً حول المدينة حمى" وهذا من أدلة من قال بريدا في بريد، لأن البريد أربع فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال. والمسافة التي بين عير وثور من الناحية الشرقية تقدر بمائتي عشر ميلاً، ومثلها المسافة التي بينهما من الناحية الغربية.
ثانيًا: مشت اللجنة على مواضع الحدود لتطبيق ما ناقشوه من النصوص وما فهموه منها وكان ممشاها على ما يلي:
وصلت اللجنة إلى جبل "ثور" ويقع خلف أحد من الشمال الشرقي، طلعت فوقه ووجدته كما وصفه العلماء (جبل صغير بالنسبة إلى جبل أحد، والجبال التي حوله بتدوير، وليس بمستطيل، لونه يقرب إلى الحمرة، خلف أحد من الشمال الشري) وبينه وبين أحد مقدار خمسين مترًا تقريبًا.
¥