أما محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم والواثق مَنْ كان له الأمر والنهي فيُلقى في تنور مليء بالمسامير، فلا يستطيع أن يتحرك، وتوقَد عليه النار مرة بعد مرة حتى يَهْلك في قعر هذا التنور الذي أعده ليعذب به أعداءه ومن لا يثق فيهم ممن هم حوله وحول الخليفة (2).
وشاه إيران (محمد رضا بهلوي) الذي اكتوى بظلمه وجبروته الملايين يصبح طريداً بين البلدان كلٌّ يرفضه ولا يود استقباله، فيموت حسرة وندامة قبل أن يموت حقاً.
والأمثلة كثيرة متوافرة في كتب التاريخ. يقول ابن الأثير عن ذلك (3): «إن الحكام ومن إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما فيها من سِيَر أهل الجور والعدوان رأوها مدونة في الكتب يتناقلها الناس، ونظروا إلى ما أعقبت من سوء الذكر وقبيح الأحدوثة، وخراب البلاد وهلاك العباد وذهاب الأموال وفساد الأحوال استقبحوها وأعرضوا عنها واطَّرحوها.
? عظمة الله سبحانه وتعالى:
من قرأ التواريخ وجد أن مصرِّفها عظيم حكيم يَدَعُ الظالم؛ فإذا أخذه لم يفلته وإن طال الزمان وكاد اليأس يدخل أهل الإيمان، كما أنه ـ سبحانه ـ رتب سنناً كونية فيها حِكَم بالغة، وعبر لا تتبدل بتبدل الزمان والمكان بل تعيد نفسها.
فالدولة المتجبرة الظالمة لا بد أن تسقط وتدول وإن رأى الناس بُعد ذلك؛ فكم من دولة كانت تضم بين أجنحتها بلاداً كبيرة وخلقاً عظيماً؛ فلما طغت وظلمت نفسها ورعيتها وجيرانها سقطت وتفرق حكامها وأهلها شذر مذر، فلم يبق لنا منها إلا الذكر والأحداث المسطرة في بطون الكتب، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فالفراعنة بنوا حضارة لا زالت تبهر العقل بأهراماتها؛ أين هي؟ لقد ذهبت مع من ذهب وأصبحنا نتعجب من هلاكها واندثارها بمقدار تعجبنا من براعتها وعظمتها.
وما الاتحاد السوفييتي منا ببعيد لقد هوى في ساعة كان الكل يعتقد بُعدها، وتفرقت دوله التي جمعتها الشيوعية الظالمة، وسيتبعه ـ إن شاء الله ـ دولة أصبحت ترى الظلم والعدوان حقاً لها ولا تأبه بغير مصالحها، فتذيق المسلمين صنوف القتل والدمار والذل والمهانة، وقد نرى ذلك بعيداً ولكنه قريب جداً بمقياس التاريخ.
? حفظ هوية الأمة:
إن هذا السبب من أهم أسباب دراسة التاريخ في هذا الزمان؛ فهذا التاريخ يحفظ هوية الأمة؛ فمن ليس له تاريخ فهويته مبتورة وليس له جذور؛ فالشجرة إن كانت من غير جذور لا شك أنها ستموت وتقتلعها الرياح، ونرى أثر ذلك فيمن تدثروا بلباس العصرية والإنسانية؛ فهم أصبحوا تابعين للغرب؛ لأنهم انْبَتُّوا عن تاريخهم؛ وهذا ما يريده ويسعى إليه الأعداء؛ ففي الشام أحيا لهم الأعداءُ الفينيقيين والكنعانيين فأصبحوا يفتخرون بهم وينتمون إليهم، بل يربطون حقوقنا في أرض فلسطين السليبة بهم. وفي مصر أحيا الأعداءُ الفراعنةَ بل نقبوا عن آثارهم وأصبحوا يسمون أهل مصر بأحفاد الفراعنة، وأصبحوا يتحدثون عن حضارة مصر ذات الخمسة آلاف سنة. وفي العراق تغنوا بالآشوريين وشريعة حمورابي التي يجعلونها أول قانون مدني على ظهر البسيطة، وتحدثوا عن الحضارة البابلية وغيرها من الحضارات التي قامت في العراق. وفي جزيرة العرب بعثوا ممالك اليمن من مملكة معين إلى مملكة سبأ.
وفي المغرب العربي نفخوا الروح في القومية الأمازيغية وحرصوا على أن يدوِّنوا لغتهم وأن يوجدوا لهم تاريخاً قبل الإسلام، رغم أنهم مسلمون ويعدُّون أنفسهم عرباً كما يعدهم العرب منهم نظراً للتمازج الذي حدث بينهم منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً.
وجميع ما أحيوا من تواريخ البلاد الإسلامية تواريخ أقوام طغاة ظالمين كانوا يشركون بالله فأهلكهم بذنوبهم فأصبحوا في ذمة التاريخ، ولكن كما يقال في المثل: «لأمرٍ ما جدع قصير أنفه» إنهم بهذا يقطعون صلتهم بتاريخهم المرتبط بالإسلام، ويحاولون أن يصلوهم بمن عاش في هذه الأرض في العصور الغابرة من الأمم الكافرة لينسلخوا من الإسلام، بل ليرتبطوا بالكفر ممثلاً في تاريخهم الجديد المزعوم. ونجد صدى ذلك ظاهراً في المناهج الدراسية التي تولي عناية كبيرة بتاريخ الأرض لا تاريخ سكانه. ففي مصر يدرس الطلاب تاريخ الفراعنة بشكل مطول في حين يُختزل التاريخ الإسلامي بدءاً من السيرة النبوية إلى التاريخ العثماني في صفحات عديدة لا توازي ما كتب عن الفراعنة أو القومية التي أطلت برأسها في أوائل القرن الماضي.
¥