وسارعت أمريكا إلى تغيير مناهج التاريخ في العراق حتى لا يُتخذ مظهراً للعداء لأمريكا أو أن يطغى عليها التشدد الديني والراديكالية المتطرفة، كما تريد أن يغدو منهج التاريخ في المدارس العراقية مركِّزاً على الأدوار الحضارية والاجتماعية، ودور العراق منذ القدم في بناء الحضارة الإنسانية (1).
هذه الأساليب الشيطانية أنتجت في مجتمعاتنا كل منبتٍّ عن دينه وأصله وتاريخه، فأصبح يتبرأ من حضارة الإسلام ليقع منتكساً في أحضان الحضارات الكافرة من أولها حتى الحضارة الغربية، ونتاجها كل فكر مسموم يهدم أساس المجتمع المسلم ينفثونه في كتبهم ومقالاتهم.
وشاهدنا تركيا التي انسلخت من تاريخها الإسلامي الزاهر ونبشت ما يسمى تاريخاً للبدو الترك قبل إسلامهم وتكوينهم لدول عظيمة أهمها وأعظمها الدولة العثمانية. لقد تعلقوا بأوروبا؛ فهم منذ ثلاثين عاماً يطرقون أبواب الاتحاد الأوروبي فلم يقبلهم ولم يعترفوا بتاريخهم الجديد، فأضاعوا ماضيهم وحاضرهم.
أما دولة المسخ دولة يهود فقد انتسخت لها تاريخاً من سراديب التاريخ تدرِّسه لأبنائها يقوم على صهينة التاريخ؛ بحيث تأخذ من التاريخ الإنساني ما يناسبها وتلبسه لباساً يهودياً يقوم على ادعاء الحق في فلسطين وغيرها، ووجوب بناء الهيكل (2).
? الحكم على الدنيا:
يقول ابن الأثير (3): إن العاقل اللبيب إذا تفكر فيها ورأى تقلُّب الدنيا بأهلها وتتابع نكباتها إلى أعيان قاطنيها، وأنها سلبت نفوسهم وذخائرهم، وأعدمت أصاغرهم وأكابرهم، فلم تُبقِ على جليل ولا حقير، ولم يسلم من نكدها غني عشقها وذاب فيها، ولا فقير زهد فيها وأعرض عنها وأقبل على التزود للآخرة، ورغب في دار تنزهت عن هذه الخصائص».
فانظر إلى سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم -؛ ففيها المثل الأعلى على احتقار الدنيا. يقول -صلى الله عليه وسلم - وقد دعاه أحد أصحابه إلى بعض اللين في العيش: «ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» (4).
وهذا طلحة بن عبيد الله ـ رضوان الله عليه ـ يُؤتى إليه بمال كثير فيفرقه وهو في مجلسه ولم يبقَ معه قليل ولا كثير منه (5).
أما عمر بن عبد العزيز فقد ترك الدنيا وترك معها أولاده وليس لهم مال وهو الخليفة وبيده الخزائن والأمر والنهي (6).
والإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ عرف الدنيا وحقارتها وأنها لا تساوي عند الله جناج بعوضة فأعرض عنها، وكان يعيش على الخبز رغم جوائز الخليفة التي يتمنى منه أن يقبلها.
وما الإمام ابن باز، والإمام الألباني ـ رحمهما الله ـ ببعيدين عنا تركا الدنيا وهما لا يملكان من حطامها شيئاً، رغم أنهما يستطيعان جمع الكثير بدون سؤال.
? قراءة الأحداث:
ذلك أن أحداث التاريخ تتكرر؛ فهي سنن كونية تتكرر مرات ومرات؛ فما يجري أمامك لا شك أنه قد جرى نظيره قبل ذلك. يقول البيهقي (7): «لا توجد حادثة لم يحدث مثلها من قبل».
ويقول ابن الأثير (8): «إنه لا يحدث أمر إلا تقدم هو أو نظيره».
ويقول نيو توكررش (9): «إن التاريخ كله تاريخ الحاضر».
وفي عالمنا المعاصر نوقن أن نهاية الحضارة الغربية قريبة قرباً تاريخياً؛ فقد دفعت حضارات وإمبراطوريات كبيرة ثمن انغماسها في الشهوات والملذات واطِّراح الأخلاق، ناهيك عن التوحيد، كالإمبراطورية الرومانية، والبيزنطية، والفرعونية، كما هوت دول؛ لأنها تعجرفت وتجبرت وتعدت على غيرها ورأت أن لا شيء فوقها كما تفعل أمريكا اليوم في العالم. يقول ـ سبحانه ـ عن قوم عاد: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}.
[الشعراء: 128 - 130].
فصب الله عليها شآبيب العقاب فأصبحت كأمسٍ الذاهب.
ولا نشك لحظة أن التاريخ يعيد نفسه في صحوة الأمة ورجوعها إلى قيادة العالم نحو التوحيد والسلام؛ فقد أفاقت قبل تسعمائة سنة على غزو صليبي هادر أكل الأخضر واليابس، فلملمت أطرافها وطردتهم شر طردة، بل نقلت المعركة إلى عقر دارهم، فقرع أبطالها أبواب فيينا في معقل النصرانية الوثنية أوروبا، وها نحن اليوم نرى إرهاصات تلك الصحوة ولعلها تؤتي ثمارها قريباً فنرى المستعمر المتسلط المتبجح يهرب كما هرب من تسعة قرون.
? التخلق بالصبر والتأسي بالصابرين:
¥